أن يغيب ، ثم بعثه الثالثة ، فمكّن الله له في الأرض ، وفيكم مثله ـ يعني نفسه ـ فبلغ مغرب الشمس فوجدها (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً).
قال : ذو القرنين : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) إلى قوله (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي دليلا (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) ـ قال ـ لم يعلموا صنعة الثياب وقال أبو جعفر الباقر عليهالسلام : «لم يعلموا صنعة البيوت» (١).
(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي دليلا (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) فقال ذو القرنين (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) فأتوا به ، فوضعه ما بين الصّدفين ـ يعني بين الجبلين ـ حتى سوى بينهما ، ثمّ أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها ، فأشعلوا فيه ونفخوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ، ثمّ صبّ عليه القطر ـ وهو الصّفر ـ حتى سدّه ، وهو قوله : (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) إلى قوله (نَقْباً) قال ذو القرنين : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) ـ قال ـ إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السدّ ، وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس ، وهو قوله : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)(٢)».
__________________
(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٥٠ ، ح ٨٤.
(٢) الأنبياء : ج ٩٦.