قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١).
وكانت السّماء تفتخر على الأرض ، وتقول : إنّ ربّي رفعني فوقك ، وأنا مسكن الملائكة ، وفيّ العرش والكرسيّ والشمس والقمر والنجوم ، وخزائن الرحمة ، ومنّي ينزل الوحي. فقالت الأرض : إنّ ربّي بسطني واستودعني عروق الأشجار والنبات والعيون ، وخلق فيّ الثمرات والأنهار والأشجار. فقالت لها السماء : ليس عليك أحد يذكر الله تعالى؟
فقالت الأرض : يا ربّ ، إنّ السماء تفتخر عليّ ، إذ ليس عليّ أحد يذكرك. فنوديت الأرض : أن اسكني ، فإنّي أخلق من أديمك صورة لا مثل لها من الجنّ (٢) ، وأرزقه العقل والعلم والكتاب واللسان ، وأنزل عليه من كلامي ، ثم أملأ بطنك وظهرك وشرقك وغربك على مزاج تربك في اللون ، والحريّة ، والسريّة ، وافتخري يا أرض على السماء بذلك.
ثم استقرّت الأرض وسألت ربها أن يهبط إليها خلقا ، فأذن لها بذلك ، على أن يعبدوه ولا يعصوه ـ قال ـ وهبط الجنّ وإبليس اللعين وسكنا الأرض ، فأعطوا على ذلك العهد ، ونزلوا وهم سبعون ألف قبيلة يعبدون الله حقّ عبادته دهرا طويلا.
ثمّ رفع الله إبليس إلى سماء الدنيا لكثرة عبادته ، فعبد الله تعالى فيها ألف سنة ، ثمّ رفع إلى السماء الثانية ، فعبد الله تعالى فيها ألف سنة ، ولم يزل يعبد الله في كلّ سماء ألف سنة حتى رفعه الله إلى السماء السابعة ، وكان أوّل يوم في السماء الأولى السبت ، والأحد في الثانية ، حتى كان يوم الجمعة صيّر في السماء السابعة ، وكان يعبد الله حقّ عبادته ، ويوحّده حقّ توحيده ، وكان بمنزلة عظيمة حتّى إذا مرّ به جبرئيل وميكائيل ، يقول بعضهم لبعض : لقد
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) في «ط» : الحسن.