من جنّتكما! وناداه فرسه الميمون ـ وقد خلقه الله من مسك الجنة وجميع طيبها من الكافور والزّعفران والعنبر وغير ذلك ، وعجن بماء الحيوان ، وعرفه من المرجان ، وناصيته من الياقوت ، وحافره من الزّبرجد الأخضر ، وسرجه من الزّمرّد ، ولجامه من الياقوت ، وله أجنحة من أنواع الجواهر ، وليس في الجنّة دابّة أحسن من فرس آدم عليهالسلام إلّا البراق ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فضل البراق على سائر دوابّ الجنّة ، كفضلي على سائر النبيّين» ، وقال ابن عباس : قد خلق الله الميمون فرس آدم عليهالسلام قبل أن يخلق آدم عليهالسلام بخمسمائة عام ـ : يا آدم ، هكذا العهد بينك وبين الله تعالى؟!
وانقبضت أشجار الجنّة عنهما حتّى لم يتمكّنا أن يستترا بشيء منها ، فكلّما قرب من شجرة ، نادته : إليك عنّي يا عاصي. فلما كثرت عليه الملامة والتوبيخ ، مرّ هاربا ، وإذا هو بشجرة الطّلح قد التفّت على ساقيه فمسكته بأغصانها ، ونادته : إلى أين تهرب ، يا عاصي؟ فوقف آدم فزعا مرعوبا مبهوتا ، وظنّ أنّ العذاب قد أتاه ، وجعل ينادي : الأمان ، الأمان ، وحوّاء مجتهدة أن تستر نفسها بشعرها ، وهو ينكشف عنها ، فلمّا أكثرت عليه ، ناداها : يا بادية السّوء ، هل تقدرين على أن تستّري بي ، وقد عصيت ربّك؟ فقعدت حوّاء عند ذلك ، ووضعت ذقنها على ركبتها كيلا يراها أحد ، وهي تحت الشجرة وآدم واقف قد قبضت عليه شجرة الطلح.
قال ابن عباس : فنودي جبرئيل : «ألا ترى إلى بديع فطرتي آدم ، كيف عصاني؟ يا جبرئيل ، ألا ترى إلى حواء أمتي ، كيف عصتني ، وطاوعت عدوّي إبليس؟» فاضطرب جبرئيل الأمين لما سمع نداء رب العالمين ، وداخله الخوف وخرّ ساجدا ، وحملة العرش قد سكنت حركاتهم ، وهم يقولون : سبحانك ، قدّوس قدّوس ، سبّوح سبّوح ، الأمان الأمان. فأخذ جبرئيل عليهالسلام يعدّ على آدم عليهالسلام ما أنعم الله تعالى به عليه ، ويعاتبه على المعصية ،