أكثر من واحد ممّن يصحّ له تقليده والعمل بفتواه ، كما أفتى جماعة ممّن يصحّ له تقليدهم بانفعال الماء القليل ، واطّلع عليه المستفتي والمقلّد ، ثمّ بنى عمله على فتوى هؤلاء الجماعة بأجمعهم ، واعتقد وعزم بتقليد جميعهم ، ثمّ عمل عليه ؟
المعتمد : نعم ، وفاقا لظاهر كلّ من قال في صورة تعذّر المفتي واتّفاقهم في الفتوى بأخذ المستفتي والمقلّد بها مطلقا ، كالعلّامة في النهاية ـ على ما حكي ـ وفي التهذيب ، والعميدي في منية اللبيب ، وشيخنا الشهيد الثاني في منية المريد (١) .
ولظاهر كلّ من قال بأنّ فتوى المجتهد والمفتي بالإضافة إلى المقلّد بمنزلة الأمارة الشرعيّة بالإضافة إلى المجتهد ؛ للعمومات المشار إليها ، السليمة عمّا يصلح للمعارضة ، المعتضدة أو المؤيّدة بالأولويّة والاعتبار ، وبعدم التصريح في كلماتهم فيما أعلم باشتراط وحدة المفتي في صحّة العمل بفتواه ، مع أنّه لو كانت شرطا فيها ، لاشتهر غاية الاشتهار بحكم العادة ؛ لكونه من الامور العامّة البلوى ، كما لا يخفى.
هل يصحّ شرعا للمقلّد والمستفتي فيما لو قلّد المفتي الجامع للشرائط وعلم بفتواه في واقعة ، تقليد الآخر كذلك والعمل بفتواه في واقعة اخرى ، أم لا ، بل يتعيّن عليه الرجوع إلى من قلّده ابتداء والعمل بفتواه ؟
المعتمد : هو التفصيل ، بأن يقال : إن كان المفتي الأوّل أعلم وأورع من الآخر ، تعيّن عليه فيها وفي غيرها ـ عدا ما مرّ أيضا ـ الرجوع إلى الأوّل وتقليده ، بناء على ما مرّ من لزوم تقليد الأعلم والأورع.
وإن كان الثاني أعلم أو أورع تعيّن عليه فيها وفي غيرها ـ عدا ما مرّ ـ الرجوع إليه وتقليده ، بناء على لزوم تقليد الأعلم والأورع كما تقدّم.
نعم ، لو كان الواقعة ممّا يتفرّع على الواقعة التي قلّد فيها الأوّل ، تعيّن عليه الرجوع إليه بحكم ما دلّ على صحّة تقليده الأوّل ، ووجوب البقاء عليه على أحد القولين الآتي
__________________
(١) حكاه عنهم في مفاتيح الاصول ، ص ٦١٦ ؛ وهو في نهاية الوصول إلى علم الاصول ، الورقة ٣٢٠ ؛ تهذيب الوصول إلى علم الاصول ، ص ٢٩٣ ؛ منية المريد ، ص ٣٠٥.