المفروض ـ فينقلب التخيير بالتعيين ؛ إذ القدر المسلم من التخيير الثابت في حقّ المكلّف ، إنّما هو التخيير في الاختيار وقبله ، لا أزيد من ذلك ؛ لعدم الدليل عليه ، وبعد الاختيار ـ كما هو المفروض ـ لا يبقى تخيير له ، ويلزمه تعيّن المختار في حقّه ، ومعه لا يجري استصحاب التخيير وصحّة الرجوع.
قلنا : هذا أيضا فاسد ، لما مرّت إليه الإشارة.
وإن شئت توضيح ذلك فاعلم أنّ التخيير في الشرعيّات على أقسام :
منها : التخيير الاختياري الثابت بنصّ الشارع تعالى ، كالخصال الثلاث في الكفّارة المخيّرة.
ومنها : التخيير الاختياري الثابت بحكم العقل ، كالتخيير في مقام الإتيان بالواجبات العينيّة الكلّيّة بين الأنواع والأصناف وأفرادها.
ومنها : التخيير الاضطراري الثابت بنصّ الشارع ، كتخيير المجتهد في الخبرين المتعارضين بين الأخذ بأيّهما شاء من باب التسليم.
ومنها : التخيير الاضطراري الثابت بحكم العقل ، كتخييره أيضا فيما دار الأمر بين الوجوب والحرمة ، أو بين الاستحباب والكراهة ، مع فقد المرجّع لواحد من ذلك أصلا بين الأخذ في الأوّل بأيّ من الحرمة والوجوب شاء ، وفي الثاني بأيّ من الاستحباب والكراهة أراد.
ومن البيّن والواضح أنّ اختيار أحد الفردين أو الأفراد فيما كان من القسمين الأوّلين من أقسام التخيير لا يكون سببا لتعيين أمثال المختار ، ولا واقعا للتخيير الثابت بالفرض بالإجماع وغيره من الأدلّة الدالّة على التخيير وعلى بقائه وعدم تعيين أمثاله المختار في حقّه.
نعم ، اختياره فيما كان من القسم الثاني فيما إذا كان الإتيان بالكلّي منحصرا في دفعة واحدة يكون سببا للتعيين ورافعا للتخيير ، بل في الحقيقة التخيير حينئذ إنّما هو قبل الاختيار بالإضافة إلى أفراد هذا الكلّي ، وبعد الاختيار وتعيينه لأحد أفراده وإتيانه في