وتفصيل القول في ذلك يحتاج إلى ذكر مقدّمتين :
[ المقدّمة ] الاولى : أنّ المكلّفين من الناس بالإضافة إلى الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بأفعالهم والإتيان بها في الخارج ـ كما قاله جماعة ، بل الأكثر كما [ في ] صريح بعض العبائر (١) ، بل كلّهم كما قيل (٢) ـ صنفان : مجتهد ، ومقلّد ، وهو كذلك بمقتضى الإجماع الظاهر والمدّعى وغيره من الأدلّة المعتبرة العقليّة وغيرها ، القطعيّة وغيرها ، حسبما سنفصّل المقال في ذلك بعد ذلك إن شاء الله سبحانه.
ومن الواضح أنّ العمل الصادر عن المجتهد من حيث هو مجتهد المحكوم عليه حين الصدور عنه بالصحّة ـ مثلا ـ في ظاهر الشرع إنّما هو بعد العلم الحاصل له من الاجتهاد واستفراغ الوسع ، وبذل الجهد في المآخذ والأدلّة المعتبرة الشرعيّة بالحكم المتعلّق بهذا العمل ، ومطابقة العمل ولو باعتقاده خاصّة لما هو مقتضى علمه ومؤدّى اجتهاده وصدوره عنه من حيث إنّه مطابق له ، ومن جهة أنّه مقتضاه ومؤدّاه.
ففي الحقيقة للمجتهد ـ بعد علمه ولو إجمالا بثبوت الأحكام الشرعيّة وتعلّقها به ، ولزوم تحصيلها عليه من مأخذها ومظانّها ـ مقامات :
منها : مقام تحقيق أدلّة الأحكام ودليليّتها وحجّيّتها.
ومنها : مقام الرجوع إليها واستنباطها عنها ، وتحصيل الاعتقاد بها. وهو متأخّر عن السابق ، وموقوف على تحقّقه ، كما ينبغي.
ومنها : مقام تحصيل الاعتقاد له بها وبما المستنبط عنها. وهو أيضا متأخّر عن السابق وموقوف على تحقّقه ، كما ينبغي.
ومنها : مقام تصحيح الاعتقاد وحجّيّة ما تحصل له من المعتضدات ، وتحصيل القطع بصحّتها وحجّيّتها بحسب الاعتقاد وفيه. وهو أيضا متأخّر عن السابق ، وموقوف على تحقّقه ، كما ينبغي.
__________________
(١) انظر عوائد الأيّام ، ص ٣٨٤.
(٢) انظر هداية المسترشدين ، ج ٣ ، ص ٧١٣.