ولا نسلّم أنّه على تقدير عدم الوجوب آت بالمأمور به فضلا عن الإتيان بجميع المأمور به ، فإنّ المأمور به هو الصلاة بعد الطهارة ، كالصلاة بعد الوقت وإن لم يكن الطهارة موصوفة بالوجوب شرعا ، غاية ما في الباب أنّه لا بدّ منها في صحّة الفعل شرعا كما أنّ الشرط (١) العقلي لا بدّ منه في تحقّق الفعل عقلا (٢) وإن كان المنع هناك أظهر ، ومنشأ الفرق بينه وبين العقلي أمران :
أحدهما : أنّ لابدّيّته شرعيّة ولابدّيّة ذاك عقليّة ، وقد عرفت أنّ هذا لا يصحّح الفرق ، فإنّ اللابدّيّة الشرعيّة غير الوجوب ، بناء على التحقيق من مغايرة الحكم الوضعي للشرعي.
وثانيهما : أنّ الشرط الشرعي لا ينفكّ غالبا عن صريح الوجوب من الشرع ، فظنّ أنّ استفادة وجوبه من الخطاب بالمشروط ، وممّا يوضح عدم الفرق أنّ القدر المعقول من الشرطيّة في شرط الواجب والمندوب كالطهارة في (٣) النافلة أمر واحد ، وهو لابدّيّته في صحّة الفعل ، فالشرطيّة من حيث هي (٤) لا تستلزم الخطاب بالوجوب ، والخطاب بالمشروط بها كالخطاب بالمشروط بالعقليّة.
وأمّا تقرير الكلام على الوجه الثاني ، فنقول : إنّ (٥) قدماء الاصوليّين لمّا أطلقوا وجوب ما لا يتمّ الواجب إلّا به ، ومنهم جماعة فيهم (٦) السيّد ـ رضي الله عنه ـ والإمام الرازي في بعض مختصراته ، كما أشرنا إليه ، وربّما ظهر من كلام أبي الحسين البصري ، وكلام النهاية ـ كما أشرنا إليه ـ لا يخلو أيضا من دلالة عليه أنّ المراد من هذا أنّ التكليف بالواجب ثابت على كلّ حال ، غير مقيّد بوجود المقدّمة ، وأنّ القول المقابل لهذا أنّ الأمر يصير مقيّدا بوجودها ، والفعل لا يجب إلّا مع اتّفاق وجود المقدّمة ، ولم يفرق القائلان بين السبب وغيره.
__________________
(١) ب : شرطه.
(٢) ألف : شرعا.
(٣) حاشية الأصل : + الفريضة و.
(٤) ب : ـ هي.
(٥) ألف : ـ إنّ.
(٦) ألف : ـ جماعة فيهم.