أنّ الإجماع المراعى هو إجماع أهل المدينة دون غيرهم ، غير أنّه حجّة في كلّ عصر ، وذهب الباقون إلى أنّ الإجماع حجّة ، ولا يختصّ بعصر الصحابة ولا بإجماع أهل المدينة.
والذي نذهب إليه : أنّ الامّة لا يجوز أن تجمع على خطأ ، وأنّ ما يجمع عليه لا يكون إلّا صوابا وحجّة ؛ لأنّ عندنا أنّه لا يخلو عصر من الأعصار من إمام معصوم حافظ للشرع ، يكون قوله حجّة ، يجب الرجوع إليه كما يجب الرجوع إلى قول الرسول ، فمتى اجتمعت الامّة على قول فلا بدّ من كونه حجّة ؛ لدخول المعصوم في جملتها.
ومتى قيل : جوّزوا أن يكون الإمام خارجا عن إجماعهم.
قلنا : فذلك لا يكون إجماعا ، بل لو انفرد واحد من العلماء عند من خالفنا [ من الإجماع ] أخلّ ذلك بإجماعهم.
فإن قيل : إذا كان المعتبر (١) قول الإمام ، فلا فائدة في أن يقولوا : الإجماع حجّة ، بل ينبغي أن يقولوا : الحجّة قول الإمام ، ولا يذكرون الإجماع.
قيل له : الأمر وإن كان على ما تضمّنه السؤال ، فإنّ لاعتبارنا الإجماع فائدة معلومة ، وهي أنّه قد لا يتعيّن لنا قول الإمام في كثير من الأوقات ، فيحتاج حينئذ إلى اعتبار الإجماع ليعلم بإجماعهم أنّ قول المعصوم داخل فيهم ، ولو تعيّن لنا قوله لم نعتبر سواه ، ومتى فرضنا أنّ الزمان يخلو من معصوم ، لم يكن الإجماع حجّة على وجه من الوجوه ؛ لأنّه لا دليل عليه ، فوجب القطع على نفي كونه حجّة ، فنحن نتّبع ما يعتمده الخصوم (٢) من جهة العقل والشرع ، ونبيّن أنّه لا دلالة في شيء من ذلك. انتهى. (٣)
ثمّ ذكر أدلّتهم وأجاب عنها.
ووجه إطلاق كلامه هنا أنّ طريقته وطريقة باقي الأخباريّين أنّهم لا يعملون
__________________
(١) في المصدر : إذا كان المراعى في باب الحجّة.
(٢) الف : المعصوم.
(٣) العدّة في اصول الفقه ، ج ٢ ، ص ٦٠١.