أقول : فيه كما رأيت دلالة على حجّيّة الإجماع في ضروريّات المذهب وهو القسم الأوّل ، وعلى حجّيّة الإجماع على العمل بخبر من الأخبار ووجوب ترجيح الخبر به على معارضه وهو القسم الثاني وإنّما أطلق عليهالسلام لأنّ جميع شيعة الإماميّة في ذلك الوقت كانوا أخباريين.
ومع ذلك فقد صرّح الحديث السابق بالتقييد ، على أنّ وجود النصّ كما هو المفروض يقتضي اعتماد الإجماع المذكور كما ذكرناه سابقا.
الثالث : ما رواه الكليني في باب اختلاف الحديث عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عيسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن كان كلّ واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما به ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟
قال : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر » .
قلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضّل واحد منهما على الآخر.
قال : فقال : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور من أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ؛ وإنّما الامور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله صلىاللهعليهوآله » . (١)
أقول : في هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على حجّيّة الإجماع على العمل بأحد الحديثين المتعارضين ، بل على حجّيّة الحديث المجمع عليه كما مرّ ، وهو
__________________
(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٦٧ ، باب اختلاف الحديث ، ح ١٠ ؛ وسائل الشيعة ، ج ٢٧ ، ص ١٠٥ ، ح ٣٣٣٣٤.