ويظهر بالتأمّل أنّه راجع إلى اعتبار التقيّة وعدمها ، وبالجملة المرجّحات السابقة أرجح منه بمراتب.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه إذا لم يمكن الترجيح بشيء ممّا ذكر ، فالأولى موافقة الاحتياط ؛ للأمر به في أحاديث كثيرة ، وهو آخر الترجيحات الواردة. وقد ورد أنّه يعمل به بعد العجز عن المرجّحات المذكورة كلّها ، وهو يقتضي التوقّف في الفتوى والإتيان بما يتردّد بين الوجوب والاستحباب ، أو بينه وبين الإباحة والكراهة ، وترك ما يتردّد بين التحريم وغيره.
وهذا مذهب جماعة من الأصحاب ، وذهب بعضهم إلى التخيير عند العجز عن الترجيح ، وهو مذهب جماعة.
وقد فصّل بعض المحقّقين من المتأخّرين (١) بحمل أحاديث التوقّف والاحتياط (٢) على ما كان من حقوق الناس كالدين والميراث والزكاة والخمس والكفّارة ونحوها ، وحمل أحاديث التخيير على العبادات المحضة كالصلاة ونحوها.
وهذا التفصيل في غاية الجودة ، بل يتعيّن المصير إليه ؛ لأنّ حديث عمر بن حنظلة الذي تضمّن الأمر بالتوقّف والاحتياط موضوعه الدين والميراث.
وقد روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى (٣) القائم ، فتردّ إليه » .
وعن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام قلت : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه ؟ قال : « لا تعمل بواحد منهما حتّى يأتي (٤) صاحبك فتسأله عنه » . قال : قلت : لا بدّ أن نعمل بأحدهما ، قال : « خذ بما فيه خلاف العامّة » .
__________________
(١) بعض المتأخّرين من المحقّقين.
(٢) الف ، ب : أو الاحتياط.
(٣) ب : حتّى تلقى.
(٤) في المصدر : حتّى تلقى.