ويوضحه أيضا أنّ الحكم في المسألة الاصوليّة لا بدّ أن يكون من عوارض الأدلّة وأحوالها المحتاجة إليها في مقام استنباط الأحكام الواقعيّة الثابتة لأفعال المكلّفين ، ومن الواضح أنّ مفاد أخبار البراءة وإخوتها كالحكمين والاستصحاب وأضرابها ليس من أحوال الأدلّة المستعملة في الاستنباطات حتّى يحكم باصوليّتها ، بل مفادها نفس ما يثبت لأفعال المكلّفين.
ثمّ إنّه بعد ذلك كلّه ربّما يرجّح كون مسألة التسامح في أدلّة السنن في المسائل الاصوليّة ، ويوجّه بأنّ الأخبار الآتية وإن لم تدلّ على حجّيّة الأخبار المشتملة على بيان المستحبّات ، وكونها ذاتا كاشفة عن الامور الواقعيّة ، ومرآة مثل سائر الأدلّة ، إلّا أنّها لا يتمّ دلالتها إلّا بإمضاء الأحكام المشتملة عليها تلك الأخبار الضعيفة ، بمعنى أنّها لا بدّ أن تكون دالّة على التعبّد بترتيب الآثار الواقعيّة على تلك الأحكام ، كما يرشد إليه اعتبار ثبوت شيء من الخبر الضعيف.
وتوضيحه أنّ الخبر الضعيف ـ مثلا ـ يدلّ على نفس الحكم ، ولكن بواسطة ضعفها ، وعدم حجّيّتها ، وعدم كونها أمارة شرعيّة لا يثبت ذلك الاستحباب في مرحلة الظاهر للمكلّف ، ولا يتنجّز عليه ، وإن كان ثابتا في واقعة ، ثمّ بعد ورود أخبار التسامح يثبت ذلك المنبأ به في الخبر الضعيف في حقّ المكلّف نظير ما في سائر الأدلّة ؛ فإنّها مع قطع النظر عن حجّيّتها إنّما تدلّ على ذات الحكم وثبوته في الواقع ، بحيث ينجّز على المكلّف أنّما يأتي من قبل دليل حجّيّة تلك الأدلّة ، فكما لا ينفع أصل وجود الخبر في ثبوته للمكلّف ، فكذا دليل التسامح ؛ فإنّه قبل بلوغ شيء لا يدلّ على ثبوت الحكم في حقّه.
والحاصل أنّ تلك الأخبار وإن لم تدلّ على حجّيّة الأخبار الضعيفة ـ مثلا ـ ليكون مفادها الحجّيّة والاعتبار ، وتكون من المسائل الاصوليّة الواضحة ، إلّا أنّها تدلّ على التعبّد بترتيب [ الأحكام ] آثار الواقع على ما اشتملت عليه الأخبار والعمل عليه ، وهذا ـ كما لا يخفى ـ ليس من الأحكام الشرعيّة الفرعيّة الثابتة لأفعال المكلّفين ، حتّى تكون