وعدمها ، فهو أجر عمل خاصّ بعنوانه الظاهري ، ولم يثبت فيه ملاحظة وجود الواقع والمطابقة للأحكام الواقعيّة ، والفوز بالأخذ بها ، وإن كان الداعي إلى جعل ذلك الحكم القطعي حادثة (١) الأحكام الواقعيّة حتّى المقدور ، وعدم الوقوع في خلافها وفوات مصالحها ؛ فإنّ مجرّد ذلك لا يقتضي بملاحظة الأمارة في الخبر الضعيف حتّى يكون إثبات جواز التسامح مثل إثبات حجّيّة سائر الأمارات ، فتكون مسألة اصوليّة.
وأمّا الثاني ، فبأنّ المدار في فقهيّة المسألة على اشتراك حكم بعد ثبوتها ، وحصولها من أدلّتها بين عامّة المكلّفين ، وعدم اختصاص ذلك الحكم في مقام بالفقيه بما هو فقيه والمستنبط ، ولا شكّ أنّ البراءة المستفادة من أدلّتها كذلك ؛ فإنّ نفي الحرج أو ثبوت الرخصة ممّا لا يختصّ بالفقيه كما لا يخفى ، وإن كان الفقيه هو المشخّص لموارد ذلك بملاحظة الأدلّة ، وعدم معرفة وجود ما يفيد حكم المورد ، فإنّ ذلك من مبادئ إعمال الحكم وإحراز موضوعه ، وإنّما لا يقدر المقلّد على ذلك ؛ لقصور باعه (٢) عن فهم الأدلّة وملاحظة الدلالة.
والحاصل أنّ البراءة نفس مدلول تلك الأدلّة ، وهو الذي يلقيه الفقيه إلى العامي بعد تشخيص مورده ، لا أنّ أخبار البراءة تقتضي شيئا يكون مقتضاه في مورد فقد النصّ ـ مثلا ـ خلوّ الواقعة عن الحكم ، حتّى يكون مضمون تلك الأخبار ممّا يعمله الفقيه في استنباط الأحكام الفرعيّة في الموارد الجزئيّة ، وأخبار البراءة في ثبوت مفادها بأنفسها لعامّة المكلّفين من غير توسيط شيء آخر ، مشاركة لأخبار الوضوء والصلاة وغيرهما ، ولا فرق بينهما من وجه إلّا بسعة مورد تلك الأخبار ، وعدم الاختصاص بباب دون [ باب ] ، ومن ذلك حال أدلّة نفي الحرج ونفي الضرر وأمثالهما ، ولعلّه واضح إن شاء الله.
__________________
(١) كذا.
(٢) الباع : السعة والتوسّع. انظر : لسان العرب ، ج ٨ ، ص ٢٢ ( بوع ) .