العظم والصغر وقوّة الاحتمال والضعف ، فالأوجه مع وجود الدليل تقديم ، سواء كان احتمال الأمر أو احتمال النهي ، وإلّا فالتخيير. (١)
وثانيا على الاعتماد إلى أخبار من بلغ ، فقد يمنع الجريان والإطلاق ـ كما عرفت ـ يمنعه.
نعم ، ربّما يشكل بأنّ اللازم حينئذ استحباب الفعل بتلك الأخبار ، وكراهة الترك بملاحظة حسن الاحتياط شرعا فيما يحتمل حرمته ، ولازمه اجتماع الضدّين ؛ فإنّ مقتضى استحباب الفعل شرعا مرجوحيّة الترك شرعا ، ومقتضى استحباب الترك رجحانه شرعا ، ومرجوحيّة الفعل كذلك ، وهو باطل.
وإذا لم يجتمع الحكمان فالثابت أحدهما ، ولا ترجيح لإبقاء الفعل في أخبار من بلغ على إبقاء الترك في أخبار الاحتياط.
وربّما يدّعى عدم تنافي ثبوت الحكمين ، وتحكيم كلّ من الدليلين ، وتوجيهه أنّ أخبار من بلغ تثبت استحباب الفعل بما هو فعل اخبر بثواب له ، ولازم ذلك رجحانه على نفس تركه ، ومرجوحيّة الترك بما هو ترك ، وأمّا الترك فلا يستحبّ بما هو ترك ، بل المستحبّ إنّما هو الترك للتجنّب عن الحرام الواقعي ، والترك المقيّد يكون مستحبّا ، ولازمه مرجوحيّة الفعل للوقوع في الحرام الواقعي ، ومرجوحيّته لا إشكال فيه.
والحاصل أنّ المرجوح من الترك شيء ، والراجح منه شيء آخر ، فالمرجوح هو نفس ترك الفعل وماهيّته ، والراجح الترك للخلوص عن الحرام الواقعي ، وهذا الترك المقيّد يغاير مطلق الترك ، فيختلف حكمهما ، ولا يمكن للمكلّف أخذ أحدهما.
__________________
(١) عن الشيخ الأنصاري رحمهالله : « لو فرض حكم العقل بأنّ دفع مضرّة التحريم المحتملة أولى من جلب منفعة الاستحباب المقطوع به ، حكم الشارع بطلب محتمل التحريم واستحبابه ، فلا بدّ من تقييد الأخبار بما عدا صورة احتمال التحريم » . رسائل فقهيّة ، ص ١٥٦.