وأوضح من ذلك أنّ لنا في المقام دليلين اشتملا على حكمين لموضوعين لا يتنافيان ، فأخبار التسامح تدلّ فيما نحن فيه ـ على ما هو الفرض ـ على الاستحباب ورجحان الفعل ، وأدلّة حسن الاحتياط واستحبابه شرعا في موارد احتمال الحرمة الواقعيّة لحصول قوّة في ملكة ترك المعصية وزيادة التقى ، وحسن الإطاعة ونحو ذلك تقتضي ترك هذا الفعل المحتمل حرمته في الواقع والاحتياط ، ففي مطلوبيّة الترك قصد إلى التجنّب ؛ فإنّ مجرّد الترك وعدم إيجاد الفعل لا يكون احتياطا ، بل الاحتياط هو إتيان الشيء بداعي إصابة الواقع وترك المحرّم الواقعي ، ولازم رجحان الاحتياط مرجوحيّة ضدّه ، وهو غير نفس الفعل مطلقا.
هذا غاية ما علمنا من توجيه ما قرّره الاستاد ـ دام ظلّه العالي ـ فجعل الاحتياط عنوان المطلوب ، واعتبر فيه القصد إلى الخلوص من المحرّم الواقعي ، يكون الاحتياط عبارة عن الترك بهذا القصد.
ولكن لا أفهم ما قرّره ـ سلّمه الله ـ فإنّ الظاهر من كثير من أخبار الاحتياط ـ مثل قوله : « قف عند الشبهة ؛ إنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » (١) وأضرابه ـ أنّ المطلوب من المكلّف في موارد الشبهة نفس الترك المستند إليه ، فالمأمور به نفس ماهيّة الترك الصادر عن المكلّف ، ويوضحه قوله : « خير من الاقتحام في الهلكات » ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ نفس ارتكاب الشبهة ـ من غير احتياج إلى أمر آخر ـ اقتحام في الهلكة ، وتفسير الاقتحام قد بيّنّاه في مسألة البراءة مفصّلا.
مجمل القول فيه إرادة الإشراف على الهلكة ، (٢) ولا شكّ أنّ نفس ارتكاب الشبهة يكون اقتحاما بذلك المعنى.
__________________
(١) راجع : الكافي ، ج ١ ، ص ٥٠ ، ح ٩ ؛ التهذيب ، ج ٧ ، ص ٤٧٤ ، ح ١١٢ ؛ الزهد ، ص ١٩ ، ح ٤١ ؛ المحاسن ، ج ١ ، ص ٢١٥ ، ح ١٠٢.
(٢) وانظر للمزيد : العين ، ج ٣ ، ص ٥٤ ؛ لسان العرب ، ج ١٢ ، ص ٤٦٢ ( قحم ) .