فإن قلت : إنّ فعل الشيء بعد معرفة أنّ حكمه الواقعي مشتبه وغير معلوم يكون اقتحاما ، وهو فعل مقيّد بالعلم بالاشتباه ، فالمرتكب ألقى نفسه في الهلكة ، ويحصل بذلك ما هو ضدّ القيد في جانب الترك المعتبر في صدق الاحتياط ، فارتكاب الشبهة بعد العلم بالاشتباه والالتفات إليه يكون إتيانا للفعل للوقوع في الحرام الواقعي.
قلت : فساد ذلك في كمال الوضوح والإفصاح عنه بأنّ الشبهة هو المحتمل للحرمة وغيرها ، ولا يصدق الاحتياط على تركها بعد معرفة الشبهة مطلقا ولو كان مثل تركه سائر المباحات ، بل المعتبر فيه كون الترك للفرار عن الحرام الواقعي ، فليس مجرّد الترك بعد معرفة الشبهة احتياطا ، بل يحتاج تحقّقه إلى معونة اخرى ، وهو القصد إلى الفرار عن المحرّم الواقعي ، ومجرّد العلم بالاشتباه لا يكفي في تحقّقه كما لا يخفى ، فكذا في جانب الفعل لا يكون إتيانه بعد العلم بالشبهة إتيانا برجاء الوقوع في الحرام الواقعي ، بل هو موقوف على أمر آخر كما لا يخفى.
والحاصل أنّ الظاهر من مثل الرواية أنّ أمر المكلّف في موارد اشتباه الحكم مردّد بين الوقوف والاحتياط المطلوب للخبر والاقتحام في الهلكة ولا ثالث ؛ فإنّ أخبار الترك سلك سبيل السلامة ، وإلّا اقتحم ، وهذا لا يتمّ إلّا مع كون الفعل بعد معرفة الاشتباه مرجوحا بما هو فعل مشتبه الحكم من غير ملاحظة أمر آخر ، وهو إرادة الوقوع في الحرام الواقعي بذلك الفعل وعدمه ، وإلّا لم يصحّ جعل غير الاحتياط مطلقا اقتحاما في الهلكة ، أو خصوص ما اوتي للقصد إلى الوقوع في الحرام الواقعي هو المفضّل عليه كما لا يخفى.
مضافا إلى أنّ إتيان المشتبه بما هو اقتحام واقعا لا يفرق فيه في الوقوع في الحرام الواقعي بين قصد المكلّف للوقوع في الحرام الواقعي وعدمه ، فكما أنّ المرجوح لم يقيّد بما ذكره فكذا الراجح.
مضافا إلى ما عرفت من الحاجة إلى مئونة زائدة على ترك الشبهة وارتكابه