في تأييد مذهب ابن الجنيد ، فنقول ممهّداً لمقدّمة في بيان دلالة الآية ، وهي أنّ لفظة «وجد» إما من باب الجدة مقابل الفقر ، ومنه قوله تعالى (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) (١) أو من باب الوجدان ، كما في وجدت الضالّة ، ولم أجدها. وترقّب الحصول والطلب والرجاء مأخوذ في المعنى الثاني دون الأوّل.
فحينئذٍ نقول : الأظهر تقديم العرف العام إذا لم تثبت حقيقة شرعيّة ، وعدم الوجدان عرفاً مما ينبغي صدقه في جواز التيمّم ، وحيث ذكرنا سابقاً استدلالهم على وجوب الطلب بعدم صدق عدم الوجدان بدونه ، فذلك يتصوّر في هذه المادة بكلا المعنيين.
أما في الأوّل فمن جهة أنّ الواجد والغني يطلق على من حصل المال عنده ، وعلى من كان له كسب يقتدر به على تحصيله بالقوّة القريبة من الفعل ، فصدق عدم الوجود بهذا المعنى أيضاً لا يتمّ إلّا بعد اليأس عن حصوله بالأسباب المحصّلة له كالطلب والانتظار.
وأما في الثاني فأظهر ، إذ عدم وجدان الضالّة ، وعدم الوصول إلى المني ، إنّما يصحّ بعد الطلب ، أو انتظار زمان يُترقّب ويُرجى حصوله فيه.
ويمكن أن يقال : الأظهر في الآية إرادة المعنى الثاني ، بقرينة قوله تعالى (أَوْ عَلى سَفَرٍ) إذ الظاهر أنّه تعالى اكتفى بكونهم مرضى عن ذكر عدم تيسّر الاستعمال ، لكونه مظنّة ذلك ، وبذكر المسافر أشار إلى عدم وجود الماء بالفعل غالباً في الأسفار. وحينئذٍ يكون المعنى : إن كنتم على سفر ولم تجدوا الماء بالفعل فطلبتم أو انتظرتموه فلم تجدوه بالمعنى الثاني فتيمّموا.
والظاهر أنّ الصدق العرفي لا يتمّ إلّا في آخر الوقت ، فيلزم تتبع موارد الاحتمال ، وانتظار حصوله منها ، حتّى يتضيّق الوقت.
__________________
(١) التوبة : ٩١.