بين الاستصحابين أصلاً (١) وذلك لما قد أوضحناه من وقوع المعارضة مع عدم كون الزمان مفرّداً ووحدة الموضوع فيقال : إنّ هذا الموضوع الواحد كان حكمه كذا وشك في بقائه فيجري استصحاب بقائه ، ويقال أيضاً : إنّ هذا الموضوع لم يجعل له حكم في الأوّل لا مطلقاً ولا مقيداً بحال ، والمتيقن جعل الحكم له حال كونه مقيداً فيبقى جعل الحكم له بالنسبة إلى غيرها تحت الأصل ، فتقع المعارضة بين الاستصحابين مع حفظ وحدة الموضوع.
وما ذكرناه عين ما ذكره الشيخ (٢) قدسسره من الوجه لعدم جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعية إذا كان الشك من ناحية المفهوم ، كما إذا قال المولى : أكرم العلماء وكان زيد عالماً فزالت عنه ملكة العلم ، وشككنا في وجوب إكرامه من جهة الشك في شمول مفهوم العالم للمنقضي عنه المبدأ واختصاصه بالمتلبس ، فليس في المقام شك في شيء من الامور الخارجية ، بل الشك إنّما هو في جعل الشارع سعةً وضيقاً ، فيجري التعارض بين الاستصحابين على النحو الذي ذكرناه حرفاً بحرف.
فتلخص مما ذكرنا : أنّه لا مجال لجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، بخلاف الشبهات الموضوعية ، لعدم الشك فيها في الجعل ، وإنّما الشك في بقاء الموضوع الخارجي ، فيجري الاستصحاب فيها بلا معارض. مثلاً إذا شككنا في تحقق النوم بعد اليقين بالوضوء ، فلا شك لنا في الجعل ولا في مقدار سعة المجعول ، لأ نّا نعلم أنّ المجعول هو حصول الطهارة بالوضوء إلى زمان طروء الحدث ، وإنّما الشك في حدوث النوم في الخارج ، فيجري استصحاب عدمه بلا معارض.
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٦٤٨ ، في ذيل التنبيه الثاني.
(٢) لاحظ فرائد الاصول ٢ : ٦٩٢.