هو المهم (١) في باب النسخ ، ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب ، كما لا يخفى على أولى الألباب (*).
______________________________________________________
ووجه شباهة بدائه تعالى ببداء غيره هو : كون البداء إظهاراً لخلاف الإظهار الأول ، حيث ان الجاهل المركب يظهر شيئاً يعتقد بكونه ذا مصلحة ، وبعد انكشاف خلافه وعدم المصلحة فيه يظهر خلافه ، فكما تكون المصلحة مخفية عليه ، وتظهر له بعد ذلك ، فكذلك المصلحة التي أخفاها الله تعالى على العبد ثم أظهرها له ، لكن الإخفاء منه تعالى يكون للمصلحة ، ومن غيره تعالى للجهل.
(١) وهو : عدم كون النسخ مشروطاً بحضور وقت العمل بالحكم المنسوخ.
__________________
(*) لا بأس بالتعرض إجمالا لمعنى البداء ، فنقول : البداء ـ بالفتح والمد ـ مصدر للفعل الثلاثي المجرد : «بدا ، يبدو» ولهذا الفعل مصادر أخرى وهي «بداء ، بداوة ، بدواً» ومعناه الظهور والبيان ، فمعنى «بدا لزيد الشيء الفلاني» ظهر له وبان بعد أن كان مخفياً ومستوراً عنه ، ومنه قوله تعالى : «وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا» (١) أي : ظهر لهم في الآخرة جزاء أعمالهم في الدنيا بعد أن كان مستوراً عليهم ، وغير ذلك من موارد استعمال البداء في الظهور ، ومنه قولهم : «بدا للفقيه رأي جديد» أي ظهر له رأي كان مجهولا له قبل ذلك.
والحاصل : أن معنى البداء لغة هو الظهور بعد الخفاء ، والجهل بالمصالح والمفاسد الموجودة في الفعل والترك. والبداء بهذا المعنى الموجود في الإنسان يستحيل في ذاته المقدسة ، لأنه يستلزم حدوث علمه تعالى بشيء بعد جهله به ، وهو ممتنع ، إذ لا يعزب عن علمه شيء في السماوات والأرض ، ومن هنا قيل : ان صفحة الأعيان بالنسبة إلى الله تعالى كصفحة الأذهان بالنسبة إلى النّفس الناطقة ، فكما تكون النّفس الناطقة عالمة بجميع الصور الذهنية ، لأنها مخلوقة
__________________
(١) الزمر ، الآية ٤٧.