ونكتفي في المقام بذكر بعض الآيات من سورة الروم المباركة ، يقول تعالى :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ* وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ* وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ* وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (١).
لقد كان العرب الجاهليون يفرّقون بين الخلق والتدبير ، فينسبون الخلق إلى الله سبحانه ، والتدبير إلى أرباب الأصنام ، فكانوا يعبدونها لتكون لهم شفعاء عند الله ، فجاءت الآيات لتردّ تلك المزعمة ، وتثبت أنّ الخلق والتدبير كليهما لله سبحانه ، وأنّه هو المدبّر وبالتالي هو الربّ (٢) دون غيره ، مستدلة بالشهود على الغيب ، وبالآية على ذيها. وقد رتّبت الآيات المذكورة وصيغت على وجه بديع ، آخذة من بدء خلق الإنسان وتكوّنه ، ثمّ تصنيفه صنفين : ذكر وأنثى ، ثمّ ارتباط وجوده بالسماء والأرض (٣) ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، ثمّ سعيهم في طلب الرزق ، وسكونهم في منامهم ، ثمّ إراءة البرق ، وتنزيل الأمطار حتّى تحيا الأرض وتصلح لاستفادة الإنسان منها واستنمائها ؛ إلى أن تنتهي الآيات إلى قيام السماء والأرض إلى أجل مسمّى ، ليتم لهذا النوع الإنساني ما قدّر له من أمد الحياة.
__________________
(١) الروم : ٢٠ ـ ٢٥.
(٢) الرب في اللغة بمعنى الصاحب ، يقال : ربُّ البستان وربُّ الدار وربُّ القطيع ويراد به من إليه تدبير أمر البستان والدار والقطيع وتلبية جميع مستلزمات نموها وعيشها وبقائها.
(٣) إشارة إلى أنّ المراد من قوله : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) ، ثبات السماء والأرض على وضعهما الطبيعي الملائم لحياة النوع الإنساني المرتبط بهما.