وبذلك يظهر الجواب عن الأمثلة الّتي تمسكوا بها ، فإنّها من الضآلة بمكان :
أمّا الأوّل : فإن أرادوا من صحة توصيف الصديق بالإخلاص والخيانة ، أنّه يصحّ أن يكون في ظرف خاص مخلصاً وخائناً في الواقع ، فهذا لا يقبله أحد ، كيف والصداقة والخيانة مختلفان في المبادئ والآثار.
وإن أرادوا أنّه يمكن لإنسان أن يتخيّل خليله في ظرفٍ مخلصاً ، ثمّ يبدو له بعد ذلك أنّه كان خائناً في ذلك الظرف ، فهذا لا يمت إلى النسبية بصلة ، فإنّ الرأي الأوّل يرفض الرأي الثاني ويدفعه ولا يصدّقه ، فأين اجتماع الحقيقتين المتغايرتين؟
ومن هذا يظهر حال ما زعموه في النظريتين المعروفتين في الأفلاك والعناصر ، فإنّ العلم ـ بما أنّه كاشف عن الواقع ومرآة إليه ـ فلا محالة تكون إحداهما خاطئة مطلقاً والأُخرى صحيحة مطلقاً.
وأمّا المثال المعروف لدى النسبيين ، الّذي يتمسكون به في أكثر كتبهم ورسائلهم ، وهو أنّ الإنسان إذا أدخل إحدى يديه في ماء بارد والأُخرى في ماء حارٍّ ، ثمّ أخرجهما دفعة وأدخلهما معاً في ماء ثالث فاتر ، فإنّ كلّا من اليدين تخبر عن حقيقة تخالف ما تخبر به الأُخرى ، فهو مغالطة واضحة ، فإنّهم لم يميزوا بين أمرين :
أ ـ الحسّان يخبران عن شيئين مختلفين (الحرارة والبرودة).
ب ـ الماء الثالث في حدّ ذاته حار وبارد في آن واحد.
فالصحيح في المثال هو الأوّل ، وذلك لأنّ إحدى اليدين تنفعل بالماء الحار ، فتبقى الحرارة في عروقها ومسامّها ، واليد الأُخرى تنفعل بالماء البارد ، فتبقى البرودة فيهما. فإذا وردتا بعد ذلك في الماء الفاتر ، فلا شكّ أنّ اليد الحارة تحسّ بالحرارة ، لأنّ حرارة الماء دون حرارتها ، واليد الباردة تحسّ بالبرودة ، لأنّ برودتها أشدّ من برودة الماء.
وأمّا الماء الثالث في حدّ ذاته ، مع قطع النظر عن اليدين المختلفتين في التأثّر