وفي الثاني نتصوره قد تدرج من النباتية إلى الحيوانية.
وفي الثالث نتصوره قد تدرج من هذه المراتب إلى مرتبة الإنسانية.
فهذه المفاهيم تحدد لنا بعض مراتب الوجود ودرجاته والحدّ الّذي بلغه في الكمال ، وإذا أردنا أن نعبّر عن ذلك بعبارة بسيطة نقول : إنّ الوجود كالشمس المشرقة ليس لنورها لون ، فإذا أشرقت على زجاجة ملونّة ينعكس نورها بحسب لون الزجاجة من أخضر أو أصفر أو أزرق الخ ... فكأنّ شمس الوجود في عالم التكوين ليس لها لون وإنّما تتلون بالحدود والخصوصيات الّتي نعبر عنها بالماهيات ، فيظهر لنا الوجود متلوناً بالنباتية والحيوانية والإنسانية.
وهذا البيان يقرّب لنا معنى الماهية الّتي تضاف إلى الوجود ، ويبين لنا مكانتها بالنسبة إليه ، فالعينية الخارجية هي الوجود ، والحدود المبينة لدرجة كماله ومرتبته في الخارج هي الماهية.
وإذا قال الفلاسفة : الفلسفة عبارة عن العلم بحقائق الموجودات على ما هي عليه حسب الطاقة البشرية ، فلا يريدون إلّا ذلك ، أي الوقوف على حدود الوجود وقيوده والألوان الّتي تلوّن بها ، ولا يزال الإنسان المتحرّي يفتح قُلل المعرفة واحدة بعد الأُخرى ، ويقف على حدود الموجودات حسب ما أوتي من طاقة ، فيصيب أحياناً ويخطئ أُخرى.
ولكنّ هناك كلاماً آخر دقيق جداً ، وهو أنّهم مع تصريحهم بذلك ، يقولون بأنّ الوجود غير معلوم الكنه ، ولا يمكن للإنسان العلم بحقيقته ، وإنّما يعرف الوجود برسمه وشرحه. يقول المحقق السبزواري في منظومته :
مفهومُهُ مِنْ أَعْرَفِ الأشياءِ |
|
وكُنْهُهُ في غايَةِ الخَفاءِ |
ولكنْ ، أو ليس هذا تناقضاً في القول حيث إنّهم من جانب يعرّفون الفلسفة بأنّها العلم بحقائق الموجودات ، ومن جانب آخر يقولون بتعذّر معرفة حقيقة الوجود؟ أو أنّه ليس بذلك ، باعتبار أنّ النفي والإثبات ليسا واردين على محلّ واحد؟
فالصحيح هو الثاني ، وإليك بيانه :
إنّ ما يمكن معرفته حقيقةً ـ إن صحّ ـ إنّما هو حدود الوجود وماهيات