الأُولى أو النهائية ، أمراً غير مقبول ، وخال من كل معنى.
وقد سعت هذه الفلسفة لردّ ما أُلصق بها من إلحاد ومادية ، ولكن سعيها كان فاشلاً ، لأنّها ترى أنّه لا يمكن إثبات أحد المذهبين : المادية والميتافيزيقية ، عن طريق المشاهدة ، وأقصى ما عندها أنّ افتراض إرادة عاقلة (الله) هو أمر أكثر معقولية من الإلحاد ، لكن ليس لديها دليل على كلا الموقفين الديني والإلحادي (١).
وعلى ضوء هذه المعاني الفلسفية ، يقول الوضعيون : إنّ القضايا المتصوّرة على قسمين :
قضايا لها معطيات حسيّة في الخارج ، تمكّن من الحكم بصدقها أو كذبها. فلو قيل : «الفلز يتمدد بالحرارة» ، أو قيل : «لا يتمدد» ، فإنّ هناك واقعية خارجية يمكن أن تكون ملاكاً للقضاء على القضية بالصدق أو الكذب. ومثل هذه القضايا يقع في إطار المعرفة ، إذ هناك شيء يمكن أن يكون مقياساً لصدق كل قضية أو كذبها.
وقضايا فاقدة لأيّة صورة في العالم الخارجي تحدد صدقها أو كذبها. «وهذا كما إذا قلنا : (إنّ للتفاحة جوهراً هو التفاحة في ذاتها ، وهو فوق ما نحسّه منها بالبصر واللمس والذوق). فإنّك لن تجد فرقاً في الواقع الخارجي بين أن تصدق هذه العبارة أو تكذب ، بدليل أنّك إذا تصورت التفاحة مذعناً بوجود جوهر لها غير ما تدركه منها بحواسك. ثمّ تصورتها في حال عدم وجود هذا الجوهر ، لم تر فرقاً بين الصورتين ، لأنّك لا تجد في كلتا الصورتين إلّا المعطيات الحسيّة من اللون والرائحة والنعومة.
وما دمنا لم نجد ـ في الصورة الّتي رسمناها لحال الصدق ـ شيئاً يميزها عن الصورة الّتي رسمناها لحال الكذب ، فالقضية الفلسفية كلام فارغ ، لا يفيد خبراً عن العالم» (٢).
__________________
(١) وقد حاول أوغست كانت تطبيق منهج هذه الفلسفة على علم الاجتماع في عصره وقد كانت العلوم الاجتماعية في أيامه في عهد طفولتها. ومن أراد البسط فليرجع إلى «محاضرات في الفلسفة الوضعية» : ٤ / ٢١٣ ـ ٢١٦. لاحظ الموسوعة الفلسفية : ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٣.
(٢) فلسفتنا : ٩٧.