الادّعاء يوافق صدر المتألهين ، ويخالف المحقق الدواني ، فإنّه كان يُصِرُّ على أنّ الإنسان المتصوَّر جوهر بالذات ، والسطح المتصوَّر ، كمٌّ حقيقيٌّ.
الثاني : إنّ تصور الإنسان في الذهن ، لا يُدخله تحت الكيف ، وتسميته كيفاً ، بالمجاز والمسامحة. وهو في هذا الادّعاء يوافق المحقق الدواني ويفارق صدر المتألهين.
وبما أنّ الادّعاء الأوّل قد ثبت بوضوح ، فلا نكرره. وإنّما الكلام في الثاني ، حيث لا يرضى بتوصيف الوجود الذهني لكل مقولة ، بالكيف. وإليك توضيح نظريته :
إنّ المتصوَّر الذهني ـ عند التحليل ـ ينحل إلى أمرين :
ـ ماهيةٌ من الماهيات ، كالإنسان والسطح.
ـ ظهور هذه الماهية في صقع الذهن وتحققها فيه.
فبما أنّه ماهية ومفهوم ، فهو داخل تحت مقولته بالحمل الأولي ، كما مرّ. وبعبارة ثانية : هو غير داخل في الواقع تحت أيّة مقولة من المقولات ، لأنّ دخول الماهية تحت مقولة حقيقية بمعنى ترتب الأثر عليها ، وما لا يترتب عليه الأثر لا يدخل تحت المقولة الحقيقية ، وقد أَوعزنا إلى ذلك فيما تقدم.
وبما أنّه نوع تحقق لهذا المفهوم في صقع الذهن ، فهو من أقسام الوجود. والوجود ـ بما هو هو ـ سواء أكان وجوداً ذهنياً أم وجوداً خارجياً ، لا يقع تحت أيّة مقولة ، كما هو مقرر في محلّه ، لأنّ الوجود ـ على الإطلاق ـ في مقابل الماهية. وفي مقابل المقولات ، وشأن الوجود ـ ذهنياً كان أم خارجياً ـ إيجاد المقولة وتحقيقها ، فيستحيل أن يدخل تحت مقولة من المقولات.
وعلى ذلك ، فالوجود الذهني ـ على التحقيق ـ ظهورٌ للمقولات لدى النفس ، والظهور وجودٌ ، والوجود لا يدخل تحت المقولة. وأمّا متعلَّقه ، أعني الماهية ، كالإنسان والسطح ، فقد عرفت شأنه.
وبعبارة أُخرى : كما أنّ الوجود العيني المنبسط ـ المصطلح عليه في العرفان بفيض الله المقدَّس ـ منبسط على الجوهر والعرض ، ولكنه ليس بجوهر ولا