العقل. فإنّ القوة الواهمة تسعى لصياغة كلّ أفكار الإنسان في قالب المحسوسات ، ومن المعلوم أنّ المعارف العقلية فوق الحسّ ، فمن غلبت عليه الواهمة ، ضعفت عقليته ، ولا تحصل له معرفة الحق في العقليات.
يقول الشيخ الرئيس (٣٧٠ ـ ٤٢٨ ه) : «اعلم أنّه قد يغلب على أوهام الناس أنّ الموجود هو المحسوس ، وأنّ ما لا يناله الحسّ بجوهره ، فغرض وجوده محال ، وأَنّ ما لا يتمحّض بمكان أو وضع بذاته ـ كالجسم ـ أو بسبب ما هو فيه ـ كأحوال الجسم ـ فلا حظّ له من الوجود».
ثمّ أخذ بالردّ عليه ، وقال : «وأنت يتأتى لك أن تتأمل نفس المحسوس فتعلم منه بطلان قول هؤلاء ، لأنّك ومن يستحق أن يخاطَب ، تعلمان أنّ هذه المحسوسات قد يقع عليها اسم واحد لا على سبيل الاشتراك الصرف ، بل بحسب معنى واحد مثل اسم الإنسان. فإنّكما لا تشكان في أنّ وقوعه على زيد وعمروٍ بمعنى واحد موجود. فذلك المعنى الموجود لا يخلو : إمّا أن يكون بحيث يناله الحسّ ، أو لا يكون. فإن كان بعيداً من أن يناله الحسّ ، فقد أخرج التفتيش ، من المحسوسات ، ما ليس بمحسوسٍ ، وبهذا أعجب. وإن كان محسوساً ، فله لا محالة وضعٌ ، وأينٌ ، ومقدارٌ معين ، وكيفٌ معيّن ، لا يتأتى أن يحسّ ، بل ولا أن يتخيّل إلّا كذلك. فإنّ كل محسوس وكل متخيّل فإنّه يتخصص لا محالة بشيء من هذا الأحوال. وإذا كان كذلك ، لم يكن ملائماً لما ليس بتلك الحال ، فلم يكن مقولاً على كثيرين مختلفين في تلك الحال. فإذن الإنسان من حيث هو واحد الحقيقة ، بل من حيث حقيقته الأصلية الّتي لا تختلف فيها الكثرة ، غير محسوس ، بل معقول صرف ، وكذلك الحال في كل كلّي».
ويقول المحقّق الطوسي (٥٩٧ ـ ٦٧٢ ه) في شرحه : «يريد التنبيه على فساد قول من زعم أنّ الموجود هو المحسوس وما في حكمه (١). وهم المشبّهة ومن يجري مجراهم ، ممن يذعن لقوته الوهمية الحاكمة على ما ليس من شأنه أن يكون
__________________
ـ كالقَبْلِ في المجرّدِ زماني |
|
والفَوْقُ وَضْعيٌ كذا مكاني |
فإذا قيل : المجرّدات قبل الماديات وفوقها ، يَتَصوَّرُ أنّه قَبْلٌ زمانيٌّ ، وفوقٌ مكاني.
(١) يعني الجواهر.