محسوساً ، حكمها على المحسوسات ... ثمّ قال : إنّ المحسوس هو ما له مكان أو وضع بذاته ، وهم إمّا جسم أو جسماني ، هم ينكرون وجود ما لا يكون جسماً أو جسمانياً. والشيخ نبّه على فاسد قولهم بوجود الطبائع المعقولة من المحسوسات ، لا من حيث هي عامة أو خاصة ، بل من حيث هي مجرّدة عن الغواشي الغريبة من الأين والوضع والكم والكيف. مثلاً كالإنسان من حيث هو إنسان ، الّذي هو جزء من زيد ، أو من هذا الإنسان. بل كل إنسان محسوس ، وهو الإنسان المحمول على الأشخاص ، فإنّه من حيث هو هكذا موجود في الخارج ، وإلّا فلا تكون هذه الأشخاص أُناساً. ثمّ إن كان محسوساً ، وجب أن يكون الإحساس به من لواحق معينة ، كأينٍ ما ، ووضعٍ ما ، متعينين ، وحينئذٍ يمتنع أن يكون مقولاً على إنسان لا يكون في ذلك الأين وعلى ذلك الوضع ، فلا يكون المشترك فيه مشتركاً ، هذا خلف. وإن لم يكن محسوساً ، فها هنا موجود غير محسوس ، وهو الموجود المعقول» (١).
ولأجل ذلك نرى أنّ الممارسين للعلوم الطبيعية قلّما يتأمّلون في الأُمور العقلية ، فإنّ تلك الممارسة توجد فيهم ملكة لزوم صبِّ كل موجود في قالب المحسوس ، فإذا سمعوا بوجود عوالم غيبية ، أو معجزات خارجة عن قوانين الطبّ والفيزياء ، تلقوه بغرابة ، وأَحاطوه بالشك والاستفهام ، إن لم يكن بالخرافة والجنون. ولكنهم لو أمعنوا في نفس العلوم الطبيعية الّتي يمارسونها ، لوجدوها عملة ذات وجهين : الأوّل هو ما يمارسونه من النظم والعلاقات المادية ، والثاني هو ما يدعو إليه رجال الدين والمعرفة العقلية من عالم الغيب.
يقول الحكيم السبزواري في معرض تبيينه لشدّة تأثير القوة الواهمة في حياة الإنسان وأفكاره :
فالوهم تابعٌ ذَوي الأوْضاع |
|
يَحْسَبُ نورَ القاهِرِ الشعاعِ |
يريد أَنّ الوهم يتعلّق بالحواس والمحسوسات إلى حدٍّ يحسب معه الإنسان أنّ
__________________
(١) لاحظ ما ذكرناه من كلام الرئيس والمحقق في شرح الإشارات : ٣ / ٢ ـ ٦.