صلة أو ارتباط بين الحكمتين ويقول بأنّه لا رابطة بين القضايا الّتي تحكي عن وجود الأشياء وعدمها ، والقضايا الّتي تَفْرُض على الإنسان فِعْلَ شيء أو تركه. وبتبيين هذه النظرية الوسط، يُعلم بطلان النظرية الثالثة ، ولا حاجة بعده إلى مناقشتها.
ولتوضيحها نقدّم مقدمة :
تشترك قضايا الحكمة النظرية والحكمة العملية في انقسامها إلى ضرورية وكسبية. والبرهان الدالّ على لزوم انتهاء القضايا الكسبية إلى الضرورية ـ وهو دفع محذور الدور والتسلسل (١) ـ مشترك بين الحكمتين.
فكما أنّ امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما من القضايا البديهية ، بل أبدهها وأوضحها في الحكمة النظرية ، فكذلك هناك قضايا بديهية في الحكمة العملية ، وِزانها في الوضوح والبداهة ، وِزانَ أُمِّ القضايا في الحكمة النظرية ، وتلك مثلُ : حُسْنِ العدل ، وقُبْحِ الظُّلم ، فإنّ بداهتهما في مجال العمل ، ليست بأقلّ من بداهة امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما في مجال الفكر.
وكما أنّ في الحكمة النظرية قضايا غيرَ واضحةٍ من النظرة الأُولى بل تحتاج في تصديقها والإذعان بها إلى إرجاعها إلى قضايا بديهية واضحة ، بالبرهنة والاستدلال ، فكذلك الأمر في الحكمة العملية ، فإنّ فيها قضايا أخلاقية وحقوقية غير واضحة ، بل تحتاج إلى الاستدلال والبيان ، فلاحظ القضيتين التاليتين :
ـ يجب أن نعمل لنعيش.
ـ أَحْسِن لمن أساء إليك.
تجد الأُولى واضحة ، لا تحتاج إلى عناء لتصديقها ، بينما الثانية تحتاج إلى الاستدلال والبرهان حتّى يُذْعَنَ بصدقها ، ولذلك قال سبحانه : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٢).
__________________
(١) بيان ذلك : لو كانت جميع القضايا مكتسبات ، غير منتهية إلى قضايا بديهية بالذات ، فإمّا أن لا ينقطع ذلك التوقف ، فيلزم التسلسل. أو ينقطع ولكن يتوقف آخر القضايا على أولها ، فيلزم الدور. فلم يبق إلّا الإنقطاع عند قضايا بديهية بالذات.
(٢) فصلت : ٣٤.