مثال آخر : يقول الإلهيون في مجال الحكمة العملية :
١. يجب معرفة الله.
٢. يجب إطاعته.
٣. يجب عبادته (١).
فهذه الواجبات الثلاثة عند الإلهي ، ليست في وضوح : «العدل حَسَنٌ» ، أو «اعمل لتعيش» ، ولذلك يستدلّ عليها الإلهيون ويوضحونها بالبراهين (٢).
ومن هنا يتبيّن أنّ الفرائض الأخلاقية والاجتماعية والسياسية إمّا واضحة بالذات يحكم العقل فيها بالوجوب والتحريم استقلالاً ، وإمّا قضايا نظرية تنتهي إلى البديهية.
إذا عرفت ذلك ، فلنرجع إلى ما نحن فيه من تأثير القضايا النظرية في القضايا العملية على وجه المقتضي ، فنقول :
إنّ دور الحكمة النظرية في استنتاج الإيديولوجيات ، إنّما هو تعيين الموضوع ، والتركيز على الصغرى ، وأمّا الكبرى ، فهي حكمة عملية ، إمّا واضحة بالذات أو منتهية إلى ما هو واضح بالذات. ولنستوضح ذلك بمثال :
نقول : ـ الله ، هو المنعم.
ـ وكل منعم ، يجب شُكْرُه.
فنستنتج : الله ، يجب شكره.
فالنتيجة حكمةٌ عملية ، متوقفةٌ على صغرى وكبرى ، ولا يمكن الاستنتاج بواحدة منهما فقط ، بل لكلٍّ منهما دور في إبصار النتيجة نور الوجود.
فالصغرى حكمة نظرية تعطي الموضوع وتعيّنه. وهي تَثْبُت في ضوء
__________________
(١) الإطاعة أعم من العبادة ، فالقيام ببعض المعنونات الشرعية في الحياة ، كالمشي عن يمين الطرقات ، طاعة لحكم الله تعالى ، ولكنه ليس عبادة له ، وقد أوضحنا ذلك في تقريراتنا لبحوث الأستاذ ـ دام ظله ـ في علم أصول الفقه ، عند البحث في التعبدية والتوصلية.
(٢) سنذكر بعض براهين وجوب المعرفة في المقدمات الأصولية العامة ، وسنذكر في «الإلهيات» أدلّة وجوب الطاعة والعبادة ، في بحثي التوحيد في الطاعة والتوحيد في العبادة.