البراهين العقلية الدالّة على أنّ كل ما في الوجود منتهٍ إليه تعالى ، وهو المعطي والمفيض له.
ومن المعلوم أنّ الصغرى لا تحمل حكماً ، لا إيجابياً ولا سلبياً ، ولا تفرض على الإنسان شيئاً ، وإنّما هي نظرة فلسفية إلى الكون والوجود تكشف عن بعض حقائق هذا العالم الإمكاني ، وهو انتهاؤه إليه سبحانه.
وأمّا الكبرى ، فإنّها هي الّتي تحمل الحكم بصورته الكلية. ففيها الحكم البات بأنّ شكر المنعم ـ كائناً من كان ـ واجب ، وهذا حكمة عملية ، إمّا واضحة بالذات ، أو منتهية إلى ما هو كذلك.
وفي ظلّ هاتين القضيتين ، يصل الإنسان إلى تبنّي حكم مفروض عليه ، جزئيٍّ بالنسبة إلى الحكم الموجود في الكبرى ، وهو أنّه سبحانه يجب شكره.
فظهر من ذلك أنّا إذا نفينا كلَّ دورٍ للحكمة النظرية والمفاهيم الفلسفية الكلية ، في استنتاج الإيديولوجيات ، فقد أَجحفنا في الحكم ، لما قلنا من أنّ النتيجة وليدة الصغرى والكبرى معاً ، ولا تكفي واحدة منهما.
وإذا قلنا بأنّ الحكمة النظرية الّتي أدركناها ، علة تامة للنتائج العملية ، الأخلاقية والاجتماعية ، فقد أجحفنا ـ أيضاً ـ في الحكم ، لما عرفت من أنّ المفاهيم المُدْرَكة من الكون ، لا تلزم الإنسان بشيء ، ولا تدفعه إلى فعل من الأفعال.
وأمّا لو قلنا بأنّ لكل من الحكمتين تأثيراً في تبنّي النتيجة ، فالقضية الأُولى تعيّن الموضوع وتشرحه من المنظار الفلسفي ، والقضية الثانية تعرب عن حكم كلّي وسيعٍ شاملٍ لموضوع النتيجة وغيره. وفي ظل هاتين القضيتين يصل الإنسان إلى حكم خاص ، وهو إيديولوجية إلهية يتبناها الموحِّدون.
ومن هنا يتبين أنّ ما من حكم عملي كسبي يفرضه العقل على الإنسان ، إلّا وفوقه حكم عقلي عملي كلّي ، يمهّد لاستنتاج ذاك الحكم الجزئي ، بحيث لو لا الكلّي ، لصار القياس عقيماً.
هذا هو الحق الّذي يجب أن نتخذه مقياساً لسائر الموارد ، ولأجل زيادة