فهذه المراتب الخمس ، هي مراتب الوجود الحقيقي ، على اختلاف درجاته ، والمعرفة المتعلقة بها «معرفة حقيقيّة».
ويقابلها «المعرفة الاعتبارية» ، فإنّها عبارة عن العلم بما ليس له في الخارج وجود ولا منشأ انتزاع ، بل مآلها إلى استعارة المفاهيم النفس الأمرية الحقيقية ، بحدودها ، لأنواع الأعمال ، الّتي هي الحركات المختلفة ومتعلقاتها ، للحصول على غايات حيوية.
كاعتبار الرئاسة لرئيس القوم ، ليكون من الجماعة بمنزلة الرأس من البدن ، في تدبير أُموره وهداية أعضائه إلى واجب العمل.
واعتبار المالكية لزيد ـ مثلاً ـ بالنسبة إلى ما حازه من المال ليكون له الاختصاص بالتصرف فيه كيف شاء ، كما هو شأن المالك الحقيقي في ملكه ، كالنفس الإنسانية المالكة لقواها.
واعتبار الزوجية بين الرجل والمرأة ، ليشترك الزوجان فيما يترتب على المجموع ، كما هو الشأن في الزوج العددي.
هذا ، وإنّ للبحث عن الاعتباريات وأقسامها (١) وحدودها دور كبير في الفلسفة الإسلامية ، غفل عنه الغربيون ، ولم ينبسوا فيه ببنت شفة. ومِنْ أحسن ما كتب فيه ، ما ألّفه السيد الأستاذ العلّامة محمد حسين الطباطبائي رحمهالله ، فقد كتب في «أصول الفلسفة» بحثاً عميقاً تحت عنوان «الحقائق والاعتباريات».
وقد كان خلط الحقائق بالاعتباريات سبباً لكثير من المشكلات العلمية في
__________________
(١) تنقسم الاعتباريات إلى اعتباريات اجتماعيّة عليها تدور رحى الحياة ، كالزوجية والمالكية بأسبابها المختلفة ، واعتباريات إنشائية ، كالبعث والزجر والتمني والترجي والاستفهام ، فإنّها مفاهيم اعتبارية ينشئها الذهن بآرائه الخاصة. فالبعث ـ مثلاً ـ على قسمين : بعث تكويني إلى الفعل ، كأن تجر المأمور بيدك إلى المقصود ، وبعث اعتباري كما إذا أشرت إليه بحاجبك أو إصبعك أو قلت له : اذهب وافعل كذا ، فإن هاهنا بعثاً ، لا حقيقة بل اعتباراً. وقد أوضحنا ذلك في أبحاث الاستاذ ـ دام ظلّه ـ الأُصولية.