يستكبره الإنسان يكون خروجا عن الحدّ الأوسط وإفراطا في الاعتقاد ، إنّ الغلو إنما يكون فيما إذا استلزم القول والاعتقاد فيهم إخراجهم عن ناموس البشر وجعلهم أربابا من دون الله.
ولم لا نعكس القول فنكفّر الذين فرّطوا في كمالاتهم وفضائلهم لاستلزامه إنكار الضرورة الدينية وهذا يستتبع إنكار ما نزل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا صدق أن أولئك مغالون فيصدق أيضا أن المنكرين جاحدون وكافرون ، فقد ورد عن مولانا الإمام الباقر عليهالسلام قال : والله إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم واكتمهم لحديثنا ، وإنّ أسوأهم عندي حالا وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا ، فلم يقبله اشمأز منه وجحده وكفّر من دان به ، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج إلينا وأسند ، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا (١).
إنّ التقصير بحق النبي والأئمة عليهمالسلام بنسبة الغلوّ إلى من نسب إليهم الفضائل التي لا تحتملها العقول ليست الأولى في زماننا هذا ، بل لها نظير في تاريخنا الغابر كما يروى عن الشيخ الصدوق «عليه الرحمة» حيث نسب الغلوّ إلى كلّ من يعتقد بعدم سهو النبي والأئمة لمقالته المشهورة : «أول درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبي والإمام».
وقال في كتابه من لا يحضره الفقيه (٢) : «وأنا أحتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي والردّ على منكريه إنّ شاء الله» حتى استدعى أن يرد عليه بعض المحقّقين ـ بالقول : «الحمد لله الذي قطع وتينه قبل أن يؤلف هذه الرسالة» ، وأيضا ردّ عليه الشيخ المفيد «عليه الرحمة» بأنه مقصّر بحق النبي والأئمة عليهمالسلام فقال : «وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر لم نجد لها دافعا فى التقصير وهي ما حكي عنه أنه قال : أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي والإمام ، فإن صحت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر ، وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون تقصيرا ظاهرا في الدين ، وينزلون الأئمة عليهمالسلام عن مراتبهم ، ويزعمون أنهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم ، ورأينا من يقول أنهم كانوا يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدّعون مع ذلك أنهم مع العلماء وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه ، ويكفي في علامة
__________________
(١) الكافي ج ٢ ص ٢٢٣ ح ٧ ط. إيران ١٣٨٨ ه.
(٢) ج ١ ص ٢٣٥ «أحكام السهو في الصلاة» ط. إيران ١٣٩٠ ه.