واكتفى بذلك ، وهو كاف في ردعهم وبيان فضل عليّ عليهالسلام وإنّ ما فعلهعليهالسلام هو الصواب ، وحديث الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجّة بعد انقضاء الحجّ ورجوعه إلى المدينة ، ولو كان ما وقع يوم الغدير هو لمجرّد ردعهم وبيان خطأهم في شكايتهم من الإمام عليّ لمقاله بمكّة واكتفى به ولم يؤخّره إلى رجوعه.
وزعم صاحب السيرة الحلبيّة أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ذلك بمكّة لبريدة وحده ، ثمّ لمّا وصل إلى غدير خمّ أحبّ أن يقوله للصحابة عموما ، وهذا يكذّبه ما سمعته من قول أبي سعيد الخدريّ أحد الصحابة فقام خطيبا ـ أي قام في أصحابه عموما ـ وأعلن ذلك في خطبته على المنبر وعلى رءوس الأشهاد.
وقوله : ذلك بمكّة أعم وأشمل لوجود الحجيج كلّهم ومنهم أهل مكة وما حولها الذين لم يكونوا معه في غدير خم ، فلو كان الغرض تبليغ عموم الصحابة ما وقع في مسألة اليمن لما أخره إلى غدير خم ، لكنّه لمّا نزل عليه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) وهو في الطريق بلّغهم إيّاه في غدير خمّ حين نزلت عليه الآية ، فهما واقعتان لا دخل لإحداهما في الأخرى ، وخلط إحداهما بالأخرى نوع من الخلط والخبط والغمط.
مع أنّ روايات الغدير ـ مع اعتراف ابن كثير وروايته (١) لها ـ تنصّ على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدم فخطبهم ، وهذا يدلّ على أنه لأمر حدث في ذلك المكان ، وهو نزول الوحي عليه ، ولو كان لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخره إلى غدير خم ، بل كان يقوله في بعض المنازل قبله أو في مكة ، فأمره بالنزول وهو في أثناء السير وانتظار من تخلّف وأمره بردّ من تقدم ، يدلّ على أنه لأمر حدث في ذلك الوقت ، مع أنه قال هذا الكلام عقيب الأمر بالتمسّك بالكتاب والعترة ، وبيان أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ـ وقد روى ذلك ابن كثير نفسه في كتابه ـ الذي هو تمهيد لما بعده ، فدلّ على أنه لأمر أهم من مسألة اليمن.
على أننا إنما نستدلّ بقوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» عقيب قوله :
__________________
(١) البداية والنهاية : ج ٥ ص ١٦٢.