وقال تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (١). أي يوسّع ويضيّق.
وقال تعالى : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) (٢) أي ضيّق.
والتضييق الّذي قدره الله عليه هو ما لحقه من الحصول في بطن الحوت وما ناله في ذلك من المشقّة الشديدة إلى أن نجّاه الله تعالى منها.
وأمّا قوله تعالى : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخشوع له والخضوع بين يديه ؛ لأنّه لما دعاه لكشف ما امتحنه به وسأله أن ينجّيه من الظلمات الّتي هي ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل ، فعل ما يفعله الخاضع الخاشع من الانقطاع والاعتراف بالتقصير.
وليس لأحد أن يقول : كيف يعترف بأنّه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم؟ وهل هذا إلّا الكذب بعينه؟ وليس يجوز أن يكذب النبي عليهالسلام في حال خضوع ولا غيره ، وذلك أنّه يمكن أن يريد بقوله : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي من الجنس الّذي يقع منهم الظلم ، فيكون صدقا ، وإن ورد على سبيل الخضوع والخشوع ؛ لأنّ جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم.
فإن قيل : فأيّ فايدة في أن يضيف نفسه إلى الجنس الذي يقع منهم الظلم إذا كان الظلم منتفيا عنه في نفسه؟
قلنا : الفايدة في ذلك التطامن لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر والتجبر ؛ لأنّ من كان مجتهدا في رغبة إلى مالك قدير ، فلا بدّ من أن يتطأطأ [له] ، ويجتهد في الخضوع بين يديه ، ومن أكبر الخضوع أن يضيف نفسه إلى القبيل الذين يخطئون ويصيبون كما يقول الإنسان ـ إذا أراد أن يكسر نفسه وينفي عنها دواعي الكبر والخيلاء ـ : إنّما أنا من البشر ولست من الملائكة ، وأنا ممّن يخطيء ويصيب. وهو لا يريد إضافة الخطأ إلى نفسه في الحال ، بل يكون الفايدة ما ذكرناها.
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية : ٢٦.
(٢) سورة الفجر ، الآية : ١٦.