وقال قوم : إنّ أصل اشتقاق هذه الكلمة من الرجوع ، ومنه قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) (١) أي رجعوا منه ، وقول الحارث بن جواد :
بوأ ... فعل كليب (٢)
أي أرجع بذلك.
فلمّا جعل الله تعالى البيت منزلا ومزيلا وملاذا ومرجعا لإبراهيم ، جاز أن يقول : «بوأه».
فأمّا قوله تعالى : (تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) قال قوم : معناه وقلنا له لا تشرك بي شيئا ، وأجرى مجرى قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤)) (٣) والمعنى : قائلين سلام عليكم.
والكلام مفتقر بلا شكّ إلى محذوف ، وهذا الذي ذكرناه من حذف لفظة «وقلنا» يضعف من جهة أنّ ظاهر الاية تدلّ على تعلّق الكلام بعضه ببعض ، وأنّ الغرض في تبوئة إبراهيم البيت ألّا تشرك وأن تطهّر البيت للطائفين والقائمين.
وإذا كان هذا المعنى هو لم يطابقه أن يقدر لفظة «وقلنا» ثم يحذفها ؛ لأنّ هذا التقدير يقع (٤) الكلام الثاني عن حكم الأوّل ويجعله أجنبيا منه. والظاهر أنّه متعلّق به.
فالأولى أن يكون تقدير الكلام : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ، لأن نقول له لا يشرك بي شيئا ، فيصحّ معنى البيت ومطابقة البيت فيه ، وهو تبوئة البيت.
فأمّا قوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) فقيل : إنّه أراد من عبادة الأوثان. وقيل : من ذبائح المشركين وسائر الادناس ، والكلام يحتمل لكلّ ذلك.
فأمّا قوله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) فمعناه أعلمهم وأشعرهم بوجوبه وأعلمت وأذنت هاهنا بمعنى واحد ، والأذان بالصلاة هو الإعلام بدخول وقتها.
وقال قوم : إنّ أذان إبراهيم هو إذ وقف في المقام ، فنادى : أيّها الناس أجيبوا
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٦١.
(٢) كذا في المطبوعة.
(٣) سورة الرعد ، الآية : ٢٣.
(٤) كذا والظاهر : «يرفع».