جوّزنا أن يكونا ما فعلا شيئا من ذلك ، والزاني في الحقيقة من فعل الزنا ، وعلم ذلك منه.
وكذلك السارق فحمل الآيتين على العلم أولى من حملهما على الشهادة والإقرار ... (١)
ووجدت لابن الجنيد كلاما في هذه المسألة غير محصّل (٢) ؛ لأنّه لم يكن في هذا دلالة ، ولا إليه دراية ، يفرّق بين علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالشيء وبين علم خلفائه وحكامه ، وهذا غلط منه ؛ لأنّ علم العالمين بالمعلومات لا يختلف ، فعلم كلّ واحد بمعلوم بعينه كعلم كلّ عالم به ، وكما أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الإمام إذا شاهدا رجلا يزني أو يسرق فهما عالمان بذلك علما صحيحا ، وكذلك من علم مثل ما علماه من خلفائهما ، والتساوي في ذلك موجود ، ووجدته يستدلّ على بطلان الحكم بالعلم بأن يقول : وجدت الله تعالى قد أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقا أبطلها فيما بينهم وبين الكفّار والمرتدين ، كالمواريث والمناكحة وأكل الذبائح ، ووجدنا الله تعالى قد اطلع رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم على من كان يبطن الكفر ويظهر الاسلام ، وكان يعلمه ولم يبيّن صلىاللهعليهوآلهوسلم أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعوا من مناكحتهم وأكل ذبائحهم ، وهذا غير معتمد ؛ لأنّا أولا لا نسلّم له أنّ الله تعالى قد أطلع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على مغيب المنافقين وكلّ من كان يظهر الإيمان ويبطن الكفر من أمّته ، فإن استدلّ على ذلك بقوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) (٣) فهذا لا يدلّ على وقوع التعريف وإنّما يدلّ على القدرة عليه.
ومعنى قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي ليستقر ظنّك ، أو وهمك من غير ظنّ ، ولا يقين. ثمّ لو سلمنا على غاية مقترحة أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد اطلع على البواطن لم يلزم ما ذكره ؛ لأنّه غير ممتنع أن يكون تحريم المناكحة والموارثة وأكل الذبائح إنّما يختص بمن أظهر كفره وردّته دون من أبطنها ، وأن تكون المصلحة
__________________
(١) الانتصار : ٢٤١.
(٢) مختلف الشيعة ، ٨ : ٤٠٦.
(٣) سورة محمّد ، الآية : ٣٠.