تعالى أمر بالنكاح في مواضع كثيرة من الكتاب ولم يشرط بالشهادة ، ولو كانت شرطا لذكرت ، على أنّ أبا حنيفة عنده أنّ كلّ زيادة في القرآن توجب النسخ (١) ، فلو زاد الشهادة لكان ذلك نسخا للكتاب ، والكتاب لا ينسخ بأخبار الآحاد.
وممّا يمكن أن يعارض المخالف به ما رووه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «إنّ النساء عندكم عوار أخذتموهنّ بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» (٢) ، وليس هاهنا كلام يستباح به فرج المرأة غير قول المزوّج قد زوّجت وقول المتزوّج قد تزوجت وظاهر هذا الكلام يقتضي أنّ الاستباحة حصلت بهذا الكلام بلا شرط زائد من شهادة ولا غيرها.
فإن قيل : إنّما أراد بكلمة الله قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) وما جرى مجراه من الألفاظ المبيحة للعقد على النساء؟
قلنا : تحليل الفرج لم يحصل بهذا القول ، ولو كان حاصلا به لاستغنى عن العقد والايجاب والقبول في الاباحة ، وإنّما آيات القرآن استفيد (٣) منها الاذن فيما يقع به التحليل والاباحة وهو العقد والايجاب والقبول.
فان احتجوا بما يروونه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «لا نكاح إلّا بولي وشاهدي عدل» (٤) ، فالجواب عنه : أنّ هذا الخبر واحد ، وهو مع ذلك مطعون في طريقه ، والزهري (٥) قد أنكره ، ومداره عليه وفي تضعيفه وجوه كثيرة لا نطوّل بذكرها ، ومع ذلك فانّ النفي داخل في اللفظ على النكاح ، والمراد حكمه ؛ وليس هم بأن يحملوه على نفي الصحة والأجزاء بأولى منّا إذا حملناه على نفي الفضل والكمال (٦) ، وأجريناه مجرى قوله عليهالسلام : لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد ، ولا صدقة وذو رحم محتاج (٧).
__________________
(١) المحصول ، ١ : ٥٦٤.
(٢) المبسوط (للسرخسي) ، ٥ : ٥٩.
(٣) يستفاد خ ل.
(٤) سنن البيهقي ، ٧ : ١٢٤ ، ١٢٦.
(٥) المغني (لابن قدامة) ، ٨ : ٣٣٨.
(٦) قال في الرسائل ١ / ٢٣٧ : فكانه قال : لا نكاح فاضلا إلّا بوليّ وشهود.
(٧) الانتصار : ١١٨ وراجع أيضا الرسائل : ١ / ٢٣٦. والناصريات : ٣١٩.