المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصودا فهو حسن غير قبيح ولا يستحقّ عليه العوض به ، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه ، وبين أن يكون عن غيره في هذا الباب ، والشرط في الأمرين أن يكون الضرر غير مقصود ، وأن يكون القصد كلّه إلى دفع المكروه والمنع من وقوع الضرر ، فإن أدّى ذلك إلى ضرر فهو غير قبيح.
ومن العجب ، أنّ «أبا علي الجبّائيّ» ذكر هذا الوجه في تفسيره ، ثمّ نسب مع ذلك موسى عليهالسلام إلى أنّه فعل معصية صغيرة ، ونسب معصيته إلى الشيطان ، وقد قال في قوله : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) أي في هذا الفعل الّذي لم تأمرني به ، وندم على ذلك وتاب إلى الله منه ؛ فيا ليت شعري ، ما الّذي فعل بما لم يؤمر به ، وهو إنّما دافع الظالم ومانعه ، ووقعت الوكزة منه على وجه الممانعة من غير قصد. ولا شبهة في أنّ الله تعالى أمره بدفع الظلم عن المظلوم ، فكيف فعل ما لم يؤمر به؟ وكيف يتوب من فعل الواجب؟ وإذا كان يريد أن ينسب المعصية إليه فما الحاجة به إلى ذكر المدافعة والممانعة ، وله أن يجعل الوكزة مقصودة على وجه تكون المعصية به صغيرة؟
فإن قيل : أليس لا بدّ أن يكون قاصدا إلى الوكزة وإن لم يكن مريدا بها إتلاف النفس؟
قلنا : ليس يجب ما ظننته ، وكيف يجعل الوكزة مقصودة؟ وقد بيّنا الكلام علي أن القصد كان إلى التخليص والمدافعة ، ومن كان إنّما يريد المدافعة لا يجوز أن يقصد إلى شيء من الضرر ، وإنّما وقعت الوكزة وهو لا يريدها ، إنّما أراد التخليص ، فأدّى ذلك إلى الوكزة والقتل.
ووجه آخر : وهو أنّ الله تعالى كان عرّف موسى عليهالسلام استحقاق القبطيّ للقتل بكفره ، وندبه إلى تأخير قتله إلى حال التمكّن ، فلمّا رأى موسى عليهالسلام منه الإقدام على رجل من شيعته تعمّد قتله تاركا لما ندب إليه من تأخير قتله.
فأما قوله : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ففيه وجهان :