أن يريد بذلك المدح والتعظيم ، أو يريد به الأفعال التي يصير بها طاهرا زاكيا ، فإن أريد الأول فكل المؤمنين فيه شرع سواء ، وإن أريد الثاني فكل المكلّفين (١) يتفقون فيه ، وأكثر ما تدلّ الآية عليه أن لأهل البيت مزية في باب الألطاف ، وما يجري مجراها ، فلذلك خصّهم بهذا الذكر ، ولا مدخل للإمامة فيه ، ولو دلّ على الإمامة لم يدلّ على واحد دون آخر بعينه ، ولاحتيج في التعليل إلى دلالة مبتدأة ، ولكانت كافية مغنية عن هذه الجملة ، ولأن الكلام يتضمن إثبات حال لأهل البيت ولا يدلّ على أن غيرهم في ذلك بخلافهم (٢) ، وكذلك القول فيما تقدم ؛ لأنه إذا قال في عترته إن من تمسّك بها لم يضل ، وإنها لا تفارق الكتاب ، فإنما يدلّ ذلك على إثبات هذا الحكم لها ولا يدلّ على نفيه عن غيرها (٣) فقد يجوز في غيرها أن يكون محقّا ولمن تمسّك به هاديا ، ...» (٤).
يقال له : هذه الآية تدلّ على عصمة أهل البيت المختصين بها عليهمالسلام ، وعلى أن أقوالهم حجّة ، ثمّ تدلّ من بعد على إمامة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهمالسلام بضرب من الترتيب ، فأمّا وجه دلالتها على العصمة ، فهو ان قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) لا يخلو من أن يكون معناه الإرادة المحضة التي لم يتبعها الفعل وإذهاب الرجس ، أو أن يكون أراد ذلك وفعله ، فإن كان الأول فهو باطل من وجوه ؛ لأنّ لفظ الآية يقتضي اختصاص أهل البيت بما ليس لغيرهم ، ألا ترى أنه قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ) وهذه اللفظة تقتضي ما ذكرنا من التخصيص؟ ألا ترى أن القائل إذا قال : إنما العالم فلان ، وإنّما الجواد حاتم ، وإنّما لك عندي درهم ، فكلامه يفيد التخصيص الذي ذكرناه ، والإرادة للطّهارة من الذنوب من غير أن يتبعها فعل لا تخصيص لأهل البيت عليهمالسلام بها ، بل الله يريد من كل مكلّف مثل ذلك ، وأيضا فإن الآية تقتضي مدح من تناولته ، وتشريفه ، وتعظيمه ، بدلالة ما روي من أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لما جلّل عليا وفاطمة
__________________
(١) في المغني «فكلّ المطيعين».
(٢) في المغني «ولا ينفي ذلك عن غيرهم».
(٣) في المغني «فأمّا أن يدلّ على نفيه فلا».
(٤) المغني ، ٢ / ١٩٣.