ويقولون : نجم قرن الظبي ، ونجم ثدي المرأة ، وعلى هذا الوجه يكون إنّما نظر في حال الفكر والاطراق إلى الأرض ، فرأى ما نجم منها ، وقيل أيضا : إنّه أراد بالنجوم ما نجم له من رأيه وظهر له بعد أن لم يكن ظاهرا. وهذا وإن كان يحتمله الكلام ، فالظاهر بخلافه ؛ لأنّ الاطلاق من قول القائل : «نجوم» لا يفهم من ظاهره إلّا نجوم السماء دون نجوم الأرض ، ونجوم الرأي ، وليس كلّما قيل فيه : انّه نجم ، وهو ناجم على الحقيقة ، يصلح أن يقال فيه : نجوم بالاطلاق والمرجع في هذا إلى تعارف أهل اللسان.
وقد قال ابو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني : إنّ معنى قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ). أراد في القمر والشمس ، لمّا ظنّ أنّهما آلهة في حال مهلة النظر على ما قصّه الله تعالى في قصّته في سورة الأنعام (١). ولمّا استدلّ بأفولهما وغروبهما على أنّهما محدثان غير قديمين ، ولا ألهين. وأراد بقوله : (إِنِّي سَقِيمٌ). إنّي لست على يقين من الأمر ولا شفاء من العلم ، وقد يسمّى الشكّ بأنه سقيم كما يسمّى العلم بأنّه شفاء. قال : وإنّما زال عنه هذا السقم عند زوال الشكّ وكمال المعرفة.
وهذا الوجه يضعّف من جهة أنّ القصّة الّتي حكاها عن إبراهيم عليهالسلام فيها هذا الكلام يشهد ظاهره بأنّها غير القصّة المذكورة في سورة الأنعام ، وانّ القصة مختلفة ؛ لأنّ الله تعالى قال : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)) (٢) فبيّن تعالى كما ترى أنّه جاء ربّه بقلب سليم ، وإنّما أراد أنّه كان سليما من الشكّ وخالصا للمعرفة واليقين ، ثمّ ذكر أنّه عاتب قومه على عبادة الأصنام ، فقال : (ما ذا تَعْبُدُونَ)؟ وسمّى عبادتهم بأنّها افك وباطل ، ثمّ قال : (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)؟ وهذا قول عارف بالله تعالى مثبت له على صفاته غير ناظر ممثّل ولا شاكّ ، فكيف يجوز أن
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٧٦ وما بعدها.
(٢) سورة الصافات ، الآيات : ٨٣ ـ ٨٩.