غير الله. فلو أفاد قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) نفس العمل الذي هو النحت دون المعمول فيه لكان له فائدة في الكلام ؛ لأنّ القوم لم يكونوا يعبدون النحت ؛ وإنّما كانوا يعبدون محل النحت ؛ ولأنّه كان لا حظّ في الكلام للمنع من عبادة الأصنام. فكذلك إن حمل قوله تعالى : (وَما تَعْمَلُونَ) من أعمال أخر ليست نحتهم ، ولا هي ما عملوا فيه لكان أظهر في باب اللغو والعبث والبعد عن التعلّق بما تقدّم ؛ فلم يبق إلّا أنّه أراد : أنّه خلقكم وما تعملون فيه النحت ، فكيف تعبدون مخلوقا مثلكم!.
فإن قيل : لم زعمتم أنّه لو كان الأمر على ما ذكرناه لم يكن للقول الثاني حظّ في باب المنع من عبادة الأصنام! وما تنكرون أن يكون لما ذكرناه وجه في المنع من ذلك؟ [كما أنّ ما ذكرتموه] أيضا لو أريد لكان وجها ؛ وهو أن من خلقنا وخلق الأفعال فينا لا يكون إلّا الإله القديم ، الذي تحقّ له العبادة ، وغير القديم ـ كما يستحيل أن يخلقنا ـ يستحيل أن يخلق فينا الافعال على الوجه الذي يخلقها القديم تعالى ؛ فصار لما ذكرناه تأثير.
قلنا : معلوم أنّ الثاني إذا كان كالتعليل للأوّل والمؤثر في المنع من العبادة فلئن يتضمّن أنّكم مخلوقون وما تعبدونه أولى من أن ينصرف إلى ما ذكرتموه ممّا لا يقتضي أكثر من خلقهم دون خلق ما عبدوه ؛ وأنّه لا شيء أدلّ على المنع من عبادة الأصنام من كونها مخلوقة كما أنّ عابدها مخلوق.
ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى في موضع آخر : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢)) (١) فاحتج تعالى عليهم في المنع من عبادة الآلهة دونه بأنّها مخلوقة لا تخلق شيئا ، ولا تدفع عن أنفسها ضرّا ولا عنهم ؛ وهذا واضح.
على أنّه لو ساوى ما ذكروه ما ذكرناه في التعلّق بالأوّل لم يسغ حمله على ما ادّعوه ؛ لأنّ فيه عذرا لهم في الفعل الذي عنّفوا وقرّعوا من أجله ؛ وقبيح أن يوبّخهم بما يعذرهم ويذمّهم ممّا يبرئهم على ما تقدّم.
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآيتان : ١٩١ ، ١٩٢.