العمل في الحقيقة لا يجري إلّا على فعل الفاعل دون ما يفعل فيه ؛ وإن استعير في بعض المواضع.
قلنا : ليس نسلّم لكم أنّ الاستعمال الذي ذكرناه على سبيل المجاز ؛ بل نقول : هو المفهوم الذي لا يستفاد سواه ، لأنّ القائل إذا قال : هذا الثوب عمل فلان لم يفهم منه إلّا أنّه عمل فيه ، وما رأينا أحدا قط يقول في الثوب بدلا من قوله : هذا من عمل فلان : هذا ممّا حلّه عمل فلان ؛ فالأوّل أولى بأن يكون حقيقة.
وليس ينكر أن يكون الأصل في الحقيقة ما ذكروه ، ثمّ انتقل ذلك بعرف الاستعمال إلى ما ذكرناه ؛ وصار أخصّ به ، وممّا لا يستفاد من الكلام سواه ؛ كما انتقلت ألفاظ كثيرة على هذا الحدّ والاعتبار في المفهوم من الألفاظ إلّا ما يستقرّ عليه استعمالها دون ما كانت عليه في الأصل ؛ فوجب أن يكون المفهوم والظاهر من الآية ما ذكرناه.
على أنّا لو سلّمنا أنّ ذلك مجاز لوجب المصير إليه من وجوه :
منها : ما يشهد به ظاهر الآية ويقتضيه ، ولا يسوغ سواه.
ومنها : ما تقتضيه الأدلة القاطعة الخارجة عن الآية ؛ فمن ذلك أنّه تعالى أخرج الكلام مخرج التهجين لهم ، والتوبيخ لأفعالهم والإزراء على مذاهبهم ، فقال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ومتى لم يكن قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) المراد (تَعْمَلُونَ) فيه ؛ ليصير تقدير الكلام : أتعبدون الأصنام التي تنحتونها ، والله خلقكم وخلق هذه الأصنام التي تفعلون بها التخطيط والتصوير ؛ لم يكن للكلام معنى ، ولا مدخل في باب التوبيخ. ويصير على ما يذكره المخالف كأنّه قال : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) والله خلقكم وخلق عبادتكم ؛ فأيّ وجه للتقريع! وهذا إلى أن يكون عذرا أقرب من يكون لوما وتوبيخا ؛ إذا خلق عبادتهم للأصنام ؛ فأيّ وجه للومهم عليها وتقريعهم بها! على أنّ قوله عزوجل : (خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) بعد قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) خرج مخرج التعليل للمنع من عبادة غيره تعالى ؛ فلا بدّ أن يكون متعلّقا بما تقدّم من قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ومؤثّرا في المنع من عبادة