مع الفعل وأريد بها المصدر دون المفعول فيه كانت محمولة على ذلك بالدليل ، وعلى سبيل المجاز. والظاهر بخلافه ، على أنّ التعليل وتعلّق الكلام الثاني بالأول على ما بيّناه أيضا ظاهر ، فيجب أن يكون مراعى. وقد بيّنا أيضا انّه متى حمل الكلام على ما ظنّوه لم يكن الثاني متعلّقا بالأول ولا تعليلا فيه ، والظاهر يقتضي ذلك.
فقد صار فيما ادّعوه عدول عن الظاهر الّذي ذكرناه في معنى الآية ، فلو سلّم ما ادّعوه من الظاهر في معنى اللفظة معه لتعارضتا ، فكيف وقد بيّنا أنّه غير سليم ولا صحيح؟.
وبعد ، فإنّ قوله : (وَما تَعْمَلُونَ) لا يستقلّ بالفائدة بنفسه ، ولا بدّ من أن يقدّر محذوف ، ويرجع إلى (ما) الّتي بمعنى (الذي) ، وليس لهم أن يقدّروا الهاء ليسلم ما ادّعوه بأولى منّا إذا قدّرنا لفظة فيه ؛ لأنّ كلا الأمرين محذوف ، وليس تقدير أحدهما بأولى من الآخر ، إلّا بدليل هذا. على أنّا قد بيّنا أنّ مع تقدير الهاء يكون الكلام محتملا لما ذكرناه ، كاحتماله لما ذكروه. ومع تقديرنا الّذي بيّناه يكون الكلام مختصّا غير مشترك ، فصرنا بالظاهر أولى منهم ، وصار للمعنى الّذي ذهبنا إليه الرجحان على معناهم. على أنّ معنى الآية والمقصود منها يدلّان على ما ذكرناه ، حتّى أنّا لو قدّرنا ما ظنّه المخالف لكان ناقضا للغرض في الآية ومبطلا لفايدتها ؛ لأنّه تعالى خبر عن إبراهيم عليهالسلام بأنّه قرعهم ووبّخهم بعبادة الأصنام ، واحتجّ عليهم بما يقتضي العدول عن عبادته. ولو كان مراده بالآية ما ظنّوه من أنّه تعالى خلقهم وخلق أعمالهم ، وقد علمنا أنّ عبادتهم للأصنام من جملة أعمالهم ، فكأنّه قال الله تعالى : والله خلقكم وخلق عبادتكم لأصنامكم ، لوجب أن يكون عاذرا لهم ومزيلا للوم عنهم ؛ لأنّ الإنسان لا يذمّ على ما خلق فيه ، ولا يعاتب ، ولا يوبّخ.
وبعد ، فلو حملنا الآية على ما توهّموه ، لكان الكلام متناقضا من وجه آخر ؛ لأنّه قد أضاف العمل إليهم بقوله «وما تعملون». وذلك يمنع من كونه خلقا لله تعالى ؛ لأنّ العامل للشيء هو من أحدثه وأخرجه من العدم إلى الوجود ؛