ولا فائدة فيه ، ولا تعلّق له بالأوّل ولا تأثير له في المنع من عبادة الأصنام. فصحّ أنّه أراد ما ذكرناه من المعمول فيه ، ليطابق قوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ).
فإن قالوا : هذا عدول عن الظاهر لقوله تعالى : (وَما تَعْمَلُونَ) ؛ لأنّ هذه اللفظة لا تستعمل على سبيل الحقيقة إلّا في العمل دون المعمول فيه ، ولهذا يقولون : أعجبني ما تعمل وما تفعل ، مكان قولهم : أعجبني عملك وفعلك.
قيل لهم : ليس نسلّم لكم أنّ الظاهر ما ادّعيتموه ؛ لأنّ هذه اللفظة قد تستعمل في المعمول فيه ، والعمل على حدّ واحد. بل استعمالها في المعمول فيه أظهر وأكثر. ألا ترى انّه تعالى قال في العصا : (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١) وفي آية اخرى : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) (٢). ومعلوم أنّه لم يرد أنّها تلقف أعمالهم الّتي هي الحركات واعتمادات ، وإنّما أراد أنّها تلقف الحبال وغيرها ممّا حلّه الإفك. وقد قال الله تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (٣) فسمّى المعمول فيه عملا.
ويقول القائل في الباب : إنّه عمل النجّار ، ومما يعمل النجّار ، وكذلك في الناسج والصائغ. وههنا مواضع لا يستعمل فيها (ما) مع الفعل إلّا والمراد بها الأجسام دون الأعراض الّتي هي فعلنا ؛ لأنّ القائل إذا قال : أعجبني ما تأكل وما تشرب وما تلبس ، لم يجز حمله إلّا على المأكول والمشروب والملبوس دون الأكل والشرب واللبس. فصحّ أنّ لفظة (ما) فيما ذكرناه أشبه بأن تكون حقيقة ، وفيما ذكروه أشبه بأن تكون مجازا. ولو لم يثبت فيها إلّا أنها مشتركة بين الأمرين ، وحقيقة فيهما ، لكان كافيا في إخراج الظاهر من أيديهم ، وإبطال ما تعلّقوا به. وليس لهم أن يقولوا : إنّ كلّ موضع استعملت فيه لفظة (ما) مع الفعل ، وأريد بها المفعول فيه ، إنّما علم بدليل ، والظاهر بخلافه. وذلك أنّه لا فرق بينهم في هذه الدعوى وبين من عكسها ، فادّعى أنّ لفظة (ما) إذا استعملت
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية : ٤٥ ؛ وسورة الأعراف ، الآية : ١١٧.
(٢) سورة طه ، الآية : ٦٩.
(٣) سورة سبأ ، الآية : ١٣.