ومنها : أنّه روي عن الجنّ لمّا ولد لسليمان عليهالسلام ولد قالوا : «لنلقين من ولده مثل ما لقينا من أبيه» ، فلمّا ولد له غلام أشفق عليه منهم فاسترضعه في المزن وهو السحاب فلم يشعر إلّا وقد وضع على كرسيه ميّتا تنبيها له على أن الحذر لا ينقطع مع القدر.
ومنها : أنّهم ذكروا أنّه كان لسليمان عليهالسلام ولد شاب ذكيّ وكان يحبّه حبّا شديدا فأماته الله تعالى على بساطه فجأة بلا مرض إختبارا من الله تعالى لسليمان عليهالسلام وابتلاء لصبره في إماتة ولده ، وألقى جسده على كرسيّه ، وقيل : إنّ الله جلّ ثنائه أماته في حجره وهو على كرسيّه فوضعه من حجره عليه.
ومنها : ما ذكره أبو مسلم ، فإنّه قال : جائز أن يكون الجسد المذكور هو جسد سليمان عليهالسلام وأن يكون ذلك لمرض امتحنه تعالى به وتلخيص الكلام : «ولقد فتنا سليمان وألقينا منه على كرسيّه جسدا» وذلك لشدّة المرض. والعرب تقول في الإنسان إذا كان ضعيفا : «إنّه لحم على وضم». كما يقولون : «إنّه جسد بلا روح» تغليظا للعلّة ومبالغة في فرط الضعف. (ثُمَّ أَنابَ) أي رجع إلى حال الصحّة ، واستشهد على الاختصار والحذف في الآية بقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١) ولو أتي بالكلام على شرحه لقال : يقول الذين كفروا منهم ، أي من المجادلين ، كما قال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) إلى قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢).
وقال الأعشى في معنى الاختصار والحذف :
وكأنّ السّموط علّقها السّل |
|
ك بعطفي جيداء أمّ غزال |
ولو أتي بالشرح لقال : علّقها السلك منها.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٢٥.
(٢) سورة الفتح ، الآية : ٢٩. استشهد بها لعدم الاختصار والحذف في قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ).