لا تقتضي إضافة قبيح إليه تعالى ، وقد قيل في ذلك أشياء : منها : انّ سليمان عليهالسلام قال يوما في مجلسه وفيه جمع كثير : «لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كلّ امرأة منهنّ غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله» وكان له فيما روي عدد كثير من السراري ، فأخرج كلامه على سبيل المحبّة بهذا الحال ، فنزّهه الله تعالى عن الكلام الّذي ظاهره الحرص على الدنيا والتثبّت بها ؛ لئلا يقتدى به في ذلك ، فلم تحمل من نسائه إلّا امرأة واحدة فألقت ولدا ميتا ، فحمل حتّى وضع على كرسيّه جسدا بلا روح ؛ تنبيها له على أنّه ما كان يجب بأن يظهر منه ما ظهر ، فاستغفر ربّه وفزع إلى الصلاة والدعاء.
وهذا الوجه إذا صحّ ليس يقتضي معصية صغيرة على ما ظنّه بعضهم حتّى نسب الاستغفار والإنابة إلى ذلك ؛ وذلك لأنّ محبّة الدنيا على الوجه المباح ليس بذنب وإن كان غيره أولى منه ، والاستغفار عقيب هذا الحال لا يدلّ على وقوع ذنب في الحال ولا قبلها ، بل يكون محمولا على ما ذكرناه آنفا في قصة داود عليهالسلام من الانقطاع إلى الله تعالى وطلب ثوابه.
فأمّا قول بعضهم : إنّ ذنبه من حيث لم يستثن بمشيئة الله تعالى لما قال : «تلد كلّ امرأة واحدة منهنّ غلاما» وهذا غلط ؛ لأنّه عليهالسلام وإن لم يستثن ذلك لفظا قد استثناه ضميرا واعتقادا ؛ إذ لو كان قاطعا مطلقا للقول لكان كاذبا أو مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا ، وذلك لا يجوز عند من جوّز الصغائر على الأنبياء عليهمالسلام.
وأمّا قول بعضهم : إنّه عليهالسلام إنّما عوتب واستغفر لأجل أنّ فريقين اختصما إليه ، أحدهما من أهل جرادة امرأة له كان يحبّها ، فأحبّ أن يقع القضاء لأهلها فحكم بين الفريقين بالحقّ ، وعوتب على محبّة موافقة الحكم لأهل امرأته ، فليس هذا أيضا بشيء ؛ لأنّ هذا المقدار الّذي ذكروه ليس بذنب يقتضي عتابا إذا كان لم يرد القضاء بما يوافق امرأته على كلّ حال ، بل مال طبعه إلى أن يكون الحقّ موافقا لقول فريقها ، وإن يتفق أن يكون في جهتها من غير أن يقتضي ذلك ميلا منه إلى الحكم أو عدولا عن الواجب.