فأمّا ما روي في هذا الباب عن جهلة المفسّرين فممّا لا يلتفت إلى مثله ؛ لأنّ هؤلاء لا يزالون يضيفون إلى ربّهم تعالى وإلى رسله عليهمالسلام كل قبيح ومنكر ، ويقذفونهم بكلّ عظيم. وفي روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمّله المتأمّل علم أنّه موضوع باطل مصنوع ؛ لأنّهم رووا أن الله تعالى سلّط إبليس على مال أيوب عليهالسلام وغنمه وأهله ، فلمّا أهلكهم ودمّر عليهم ورأى من صبره عليهالسلام وتماسكه ، قال إبليس لربّه : يا ربّ ، إنّ أيّوب قد علم أنّك ستخلف عليه ماله وولده فسلّطني على جسده ، فقال تعالى : سلّطتك على جسده كلّه إلّا قلبه وبصره ، قال : فأتاه فنفخه من لدن قرنه إلى قدمه فصار قرحة واحدة ، فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا تختلف الدوابّ على جسده ، إلى شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله ، فمن يقبل عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثّق روايته ، ومن لا يعلم أنّ الله تعالى لا يسلّط إبليس على خلقه ، وأنّ إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد ولا [أن] يفعل الأمراض كيف يعتمد روايته؟.
فأمّا هذه الأمراض العظيمة النازلة بأيّوب عليهالسلام فلم تكن إلّا اختبارا وامتحانا وتعريضا للثواب بالصبر عليها والعوض العظيم النفيس في مقابلتها ، وهذه سنّة الله تعالى في أصفيائه وأوليائه عليهمالسلام ، فقد روي عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : ـ وقد سئل أيّ الناس أشدّ بلاء ـ فقال : «الأنبياء ثمّ الصالحون ثمّ الأمثل فالأمثل من الناس» فظهر من صبره عليهالسلام على محنته وتماسكه ما صار به إلى الآن مثلا ، حتّى روي أنّه كان في خلال ذلك كلّه صابرا شاكرا محتسبا ناطقا بما له فيه المنفعة والفايدة ، وأنّه ما سمعت له شكوى ولا تفوّه بتضجر ولا تبرّم ، فعوّضه الله تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن ردّ عليه ماله وأهله وضاعف عددهم في قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) (١) وفي سورة «ص» : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) (٢) ، ثمّ مسح ما به من العلل وشفاه وعافاه وأمره على ما وردت به الرواية ، بأن أركض برجلك الأرض فظهرت له عين فاغتسل
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٨٤.
(٢) سورة ص ، الآية : ٤٣.