منها فتساقط ما كان على جسده من الداء. قال الله تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) (١) والركض هو التحريك ومنه ركضت الدابة.
فإن قيل ، أفتصحّحون ما روي أنّ الجذام أصابه حتّى تساقطت أعضاؤه؟
قلنا : إنّ العمل المستقذرة الّتي ينفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام ، فلا يجوز شيء منها على الأنبياء عليهمالسلام لما تقدّم ذكره في صدر هذا الكتاب ؛ لأنّ النفور ليس بواقف على الأمور القبيحة ، بل قد يكون من الحسن والقبيح معا. وليس ينكر أن يكون أمراض ايوب عليهالسلام وأوجاعه ومحنته في جسمه ثم في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما يزيد في الغمّ والألم على ما ينال المجذوم ، وليس ننكر تزايد الألم فيه عليهالسلام ، وإنّما ننكر ما اقتضى التنفير.
فإن قيل : أفتقولون : إنّ الغرض ممّا ابتلي به أيوب عليهالسلام كان الثواب أو العوض أو هما على الاجتماع؟
وهل يجوز أن يكون ما في هذه الآلام من المصلحة واللطف حاصلا في غيرها ممّا ليس بألم أم تمنعون من ذلك؟
قلنا : أمّا الآلام الّتي يفعلها الله تعالى لا على سبيل العقوبة فليس يجوز أن يكون غرضه عزوجل فيها العوض من حيث كان قادرا على أن يبتدي بمثل العوض ، بل الغرض فيها المصلحة وما يؤدّي إلى استحقاق الثواب ، فالعوض تابع والمصلحة أصل ، وإنّما يخرج بالعوض من أن يكون ظلما وبالغرض من أن يكون عبثا.
فأمّا الألم ، إذا كان فيه مصلحة ولطف ، وهناك في المعلوم ما يقوم مقامه فيهما ، إلّا أنّه ليس بألم ، إمّا بأن يكون لذّة أو ليس بألم ولا لذّة ، ففي الناس من ذهب إلى أن الألم لا يحسن في هذا الموضع ، وإنّما يحسن بحيث لا يقوم مقامه ما ليس بألم في المصلحة ، والصحيح انّه حسن ، والله تعالى مخيّر في فعل أيّهما شاء ، والدليل على صحّة ما ذكرناه أنّه لو قبح ـ والحال هذه ـ لم يخل من أن
__________________
(١) سورة ص ، الآية : ٤٢.