يكون إنّما قبح من حيث كان ظلما أو من حيث كان عبثا. ومعلوم أنّه ليس بظلم ؛ لأنّ العوض الزايد العظيم الّذي يحصل عليه يخرجه من كونه ظلما. وليس أيضا بعبث ؛ لأنّ العبث هو ما لا غرض فيه ، أو ما ليس فيه غرض مثله. وهذا الألم فيه غرض عظيم جليل ، وهو الّذي تقدّم بيانه. ولو كان هذا الغرض غير كاف فيه ولا يخرجه من العبث لما أخرجه من ذلك إذا لم يكن هناك ما يقوم مقامه ، وليس لهم أن يقولوا : إنّه إنّما قبح وصار عبثا من حيث كان هناك ما يغني عنه ؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى أنّ كلّ فعلين ألمين كانا أو لذّتين ، أو ليسا بألمين ولا لذّتين ، أو أفعال تساوت في وجه المصلحة ، يقبح فعل كل واحد منهما ؛ لأنّ العلّة الّتي ادّعيت حاصلة. وليس له أن يقول : إنّ الألم إنّما يقبح إذا كان فيه من المصلحة ، مثل ما في فعل هو لذّة من حيث كان يغني عنه ما ليس بألم ، وذلك أنّ العوض الّذي في مقابلته يخرجه من كونه ضررا ويدخله في أن يكون نفعا ، ويجريه على أقلّ الأحوال مجرى ما ليس بضرر ، فقد عاد الأمر إلى أنّ الألم بالعوض قد ساوى ما ليس بألم وحصل فيه من الغرض المودّي إلى المصلحة مثل ما فيه ، فيجب أن يكون مخيّرا في الاستصلاح بأيّهما شاء.
فإن قيل : ما أنكرتم أيكون الفرق بين الأمرين أنّ اللذّة قد يحسن أن يفعل بمجرد كونها لذّة ، ولا يفتقر في حسن فعلها إلى أمر زايد ، والألم ليس كذلك ، فإنّه لا يحسن أن يكون مجرّدا ولا بدّ من أمر زايد يجعله حسنا.
قلنا : هذا فرق بين الأمرين في غير الموضع الّذي جمعنا بينهما فيه ؛ لأنّ غرضنا إنّما كان في التسوية بين الألم واللذة إذا كان كل واحد منهما مثل [ما] في صاحبه من المصلحة ، وأن يحكم بصحّة التخيير في الاستصلاح بكل واحد منهما ، وإن كنّا لا ننكر أنّ بينهما فرقا من حيث كان أحدهما نفعا يجوز الابتداء به واستحقاق الشكر عليه ، والآخر ليس كذلك ، إلّا انّ هذا الوجه وإن لم يكن في الألم ، فليس يقتضي قبحه ، ووجوب فعل اللّذة. ألا ترى أنّ اللّذة قد يساويها في المصلحة فعل ما ليس بألم ولا لذّة ، فيكون المكلّف تعالى مخيّرا في الاستصلاح بأيّهما شاء ، وإن كان يجوز ويحسن أن يفعل اللّذة بمجردها من غير