كلّ ذلك إلى اليمين تفخيما للأمر وتأكيدا للملك ؛ لأنّ اليمين أشرف من غيرها وأقوى حظا ، ويقرب من ذلك في المعنى قوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١) لأن فائدته انه يصرفها ويدبّرها كيف شاء ، وقوله تعالى : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٢) معناه انه أقوى منهم واقهر (٣). فإذا أرادوا نفي الفعل عن الفاعل استعملوا فيه هذا الضّرب من الكلام فيقولون : فلان لا تمشي قدمه ، ولا ينطق لسانه ، ولا تكتب يده ؛ وكذلك في الإثبات ، ولا يكون للفعل رجوع إلى الجوارح في الحقيقة ؛ بل الفائدة فيه النفي عن الفاعل.
وثانيها : أن يكون معنى اليد هاهنا النعمة ، ولا إشكال في أن أحد محتملات لفظة اليد النعمة.
فأمّا الوجه في تثنيتها فقد قيل فيه : إنّ المراد نعمة الدنيا ونعمة الآخرة ، فكأنّه تعالى قال : ما منعك أن تسجد لما خلقت لنعمتي ؛ وأراد بالباء اللام.
وثالثها : أن يكون معنى اليد هاهنا القدرة ؛ وذلك أيضا معروف من محتملات هذه اللفظة ؛ بقول القائل : ما لي بهذا الأمر من يد ولا يدان ، وما يجري مجرى ذلك ؛ والمعنى : أنّني لا أقدر عليه ولا أطيقه ؛ وليس المراد بذلك إثبات قدرة على الحقيقة ؛ بل إثبات كون القادر قادرا ، ونفي كونه قادرا ، فكأنّه تعالى قال : ما منعك أن تسجد لما خلقت وأنا قادر على خلقه ؛ فعبّر عن كونه قادرا بلفظ اليد الذي هو عبارة عن القدرة ؛ وكلّ ذلك واضح في تأويل الآية (٤).
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٦٧.
(٢) سورة فتح ، الآية : ١٠.
(٣) الملخّص ، ٢ : ٢٢٤.
(٤) الأمالي ، ١ : ٥٣٢.