والنفس عبارة في اللغة العربية عن أشياء كثيرة :
منها : الدم ، ولذلك قالوا : «ما لا نفس له سائلة» وسميت النفساء بهذا الاسم لأجل الدم.
ويعبّر بالنفس عن الذات ؛ يقال : فعلت ذلك بنفسي ؛ وجاء زيد نفسه ؛ ونفسي تتوق إلى كذا وكذا ، أي : أنا تائق إليه.
والّذي تهذي به الفلاسفة من أن النفس جوهر بسيط ، وينسبون الأفعال إليها ، ممّا لا محصول له. وقد بينا فساده في مواضع كثيرة من كتبنا ودللنا على أن الفاعل المميّز الحي الناطق هو الإنسان الّذي هو هذا الشخص المشاهد دون جزء فيه أو جوهر بسيط يتعلّق به وليس هذا موضع بيان ذلك والكلام فيه.
فقول الآمدي : إنّ النفس هي الّتي ترى في اليقظة والنوم ؛ وهي الّتي تنام في الحقيقة ، خطأ منه فاحش ؛ لانه قد أضاف أفعال الحيّ الّذي هو الإنسان المشاهد إلى غيره ، والّذي ينام على الحقيقة ويستيقظ هو الحيّ الّذي هو الإنسان المشاهد.
فأمّا قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) ، فمعناه الصحيح : أن الله تعالى هو الّذي يقبض ويجمع حركات الاحياء ، ويصرفهم في وقت موتهم ؛ وعبّر بالنفوس عن ذوات الاحياء ؛ لأن تصرّف الحيّ مع النوم وحركته تنقبض وتقل ، كما تنقبض حركته مع الموت ، وان كان النائم حيّا ، والميّت فاقد لحياته. ثمّ قال تعالى : (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ، أي : يستمرّ منعها عن جميع التصرّف والأفعال (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، أي : يعيد النائم في أحوال اليقظة إلى ما كان عليه من التصرّف (١).
[الثاني :] مسألة في المنامات صحيحة هي أم باطلة؟ ومن فعل من هي؟ ومن أي جنس هي؟ وما وجه صحّتها في الأكثر؟ وما وجه الانزال عند رؤية
__________________
(١) طيف الخيال : ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢.