فإذا قيل : لا حال (١) نبشنا فيها الميّت إلّا ونجده على حاله.
قلنا : ليس لعذاب القبر وقت مخصوص ، فليس يمتنع أن لا يوافق حال ظهور الميّت لنا في النبش حال تعذيبه ، وتتقدّم احدى الحالتين على الأخرى وتتأخّر.
فإذا لو قيل : لو عذب في القبر لوجب أن يكون عاقلا (٢) قادرا على الكلام فيجب أن يسمع كلامه.
قلنا : أمّا كمال العقل فيجب مع العقاب على ما بيّناه ، ويجوز أن لا يقدر على كلام يسمع ، وامّا بارتفاع القدرة أو بحصول حائل عن سماعه.
وأمّا الطريق بإثبات عذاب القبر بعد أن بينا جوازه وصحّته فهو الإجماع ؛ لأن الأمّة لا تختلف فيه ، ومن خالف فيه من ضرار بن عمرو ومن وافقه شاذّ ، قد تقدّمه الإجماع وتأخّر عنه.
وأمّا الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) فيفسد بأن بعض الإماميّة يقول برجعة بعض الأموات إلى الدنيا ، فيثبتون موتتين ليس منهما الموتة في القبر بعد الحياة منه.
فإذا قيل لهم : فيلزمكم على الرجعة أن يكون الموتات ثلاثا ، قالوا : ليس يجب الرجعة في كلّ ميّت ، ويجوز أن تكون الآية الواردة بتثنية الموتتين خبرا عمّن لم يعد إلى دار الدنيا.
وبعد ، فأمّا الخبر بوقوع الموتتين يمنع من أن يكون الموتة واحدة ، ولا يمنع ممن الزيادة إلى الاثنين. ألا ترى أن قوله تعالى : (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) لم يمنع من حياة ثالثة ، ومن أثبت عذاب القبر لا بدّ له من أن يقول إن الاحياء ثلاث مرّات : مرّة في أحوال التكليف ، وثانية لعذاب القبر ، وثالثة للنشور والبقاء الدائم.
__________________
(١) كذا في النسختين.
(٢) في نسخة «عالما».